رسوم المسجد الحرام على البلاطات الخزفية والخشب والسجاد والجص
أولاً: رسوم المسجد الحرام على البلاطات الخزفية خلال القرن 17 م:
صمم العديد من رسوم المسجد الحرام على البلاطات الخزفية العثمانية التي ترجع للقرون 10 و11 و 12 هـ - 16 و 17 و 18م، والمحفوظة في العديد من المتاحف العالمية مثل متحف الفن الإسلامي بالقاهرة ومتحف طوبقا بوسراي باستانبول، ومتحف فكتوريا وألبرت - لندن، أو المحفوظة بالمجموعات الخاصة مثل مجموعة ديفيد بالدنمارك، أو التي لا تزال على جدران عمائر مثل جامع حكيم أوغلو علي باشا باستانبول، وسبيل عبد الرحمن كتخدا بالقاهرة، هذه الرسوم بعضها على بلاطة واحدة، وبعضها عبارة عن مجموعة من البلاطات تكون معاً رسم المسجد الحرام، وقد رسم بعض هذه الرسوم بأسلوب القطاع الرأسي، وبعضها بأسلوب يجمع بين المسقط الأفقي والقطاع الرأسي، وبعضها بأسلوب المنظور، كما اشتملت بعض هذه البلاطات على توقيع الصانع وتاريخ الصنع.
وفيما يلي دراسة تفصيلية لرسوم المسجد الحرام على البلاطات الخزفية كل على حدة، مرتبة ترتيباً تاريخياً، مع إبراز مدى مطابقة هذه الرسوم للواقع، ومدى اتفاقها مع قواعد الرسم المعماري.
رسوم المسجد الحرام على بلاطات القرن 16م:
وصل من القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي رسم للمسجد الحرام على ست بلاطات خزفية من صناعة آسيا الصغرى، محفوظة بمجموعة بناكى بأثينا( )، وهو رسم يجمع بين المنظور والقطاع الرأسي.
وفيما يلي دراسة تفصيلية لعناصر هذا الرسم، ومدى مطابقتها للواقع ولقواعد الرسم المعماري.
تتوسط الكعبة المسجد الحرام في هذا الرسم، وقد رسمها الفنان بأسلوب المنظور على شكل مكعب أسود اللون، بضلعه الشرقي من أسفل باب صغير مرتفع عن الأرض، ويلتف حول الكعبة أعلى الباب شريط محدد باللون الأبيض يرمز إلى شريط الكتابات الذي يمتد فوق الكسوة، ومن حيث التناسب بين أطوال الكعبة نجد أن الفنان لم يراع التناسب بين أطوال الكعبة في هذا الرسم، فارتفاع الكعبة هنا ضعف طول ضلعها الشرقي تقريباً، وهو ما يتنافى مع الواقع؛ إذ أن ارتفاع الكعبة في الواقع 27 ذراعاً يكاد يقترب من طول ضلعها الشرقي (الذي فيه الباب) 26 ذراعاً، ويجاور الكعبة جهة الشمال (يمين الناظر إلى اللوحة) حجر إسماعيل، وقد رسمه الفنان بحجم صغير جداً لا يتناسب مع حجم الكعبة، كما رسمه ملاصقاً للكعبة تقريباً، وهو ما يتنافى مع الواقع؛ إذ أن جدار الحجم يبعد عن جدار الكعبة الشمالي في الواقع بحوالي ثمانية أذرع.
ويحيط بالكعبة المطاف، وهو مستدير على حدوده صف من الأعمدة المشدود بعضها إلى بعض بروابط يتدلى منها مشكاوات، باستثناء الجهة الشرقية (مقدمة اللوحة) حيث يمتد المطاف خارج حدود الدائرة ليشمل مقام إبراهيم، وقد رسم الفنان المطاف مبلطاً ببلاطات كبيرة الحجم، أما مقام إبراهيم فقد رسمه الفنان بأسلوب القطاع الرأسي، على هيئة مربع صغير تعلوه قبة، ورسم إلى جواره من جهة الشرق مبنى زمزم على هيئة بناء تعلوه قبة لها رقبة بها نوافذ، إلا أنه لم يرسم المصلى المجاور لهذه القبة والذي كان يؤذن عليه شيخ المؤذنين، وإلى جوار زمزم جهة الشمال رسم الفنان منبر السلطان سليمان القانوني، حيث رسم الفنان منبراً على الطراز العثماني يشبه المنبر الذي أهداه السلطان سليمان إلى المسجد الحرام سنة 966هـ، والذي لا يزال موجوداً بالمسجد الحرام حتى الآن، وقد رسمه الفنان هنا بأسلوب رمزي جداً من جانبه وبنسب خاطئة.
وفي الجهة الشمالية من المطاف (على يمين الناظر إلى اللوحة) رسم الفنان مقام الحنفي ملاصقاً للرواق الشمالي للمسجد، وهو ما يتنافى مع الواقع، إذ أن رسم الفنان للمطاف بحجم كبير لم يتح للفنان مساحة يرسم فيها مقام الحنفية فيما بين حدود المطاف الشمالية والرواق الشمالي للمسجد اللذين يوشكان أن يلتصقا في هذا الرسم،- وهذا مخالف للواقع - وقد رسم الفنان مقام الحنفية بأسلوب رمزي على شكل مربع تعلوه قبة، وهذا بدوره مناف للواقع، إذ أنه من المعروف أن مقام الحنفية في الحقيقة مكون من طابقين لا طابق واحد، يعلوهما سقف جمالوني، أما مقام المالكية في الجهة الغربية من المطاف (أعلى اللوحة(، ومقام الحنابلة في الجهة الجنوبية من المطاف (على يسار الناظر إلى اللوحة)، فقد رسمهما الفنان من طابق واحد، وبأسلوب رمزي جداً، وأخطأ في تحديد موقع مقام الحنابلة حيث رسمه منحرفاً قليلاً عن موضعه، وجعله يقطع مسار الأعمدة المحيطة بدائرة المطاف، والسبب في ذلك أيضاً هو كبر حجم المطاف عن حجمه الحقيقي، وعدم وجود مساحة متاحة فيما بين المطاف وأروقة المسجد الجنوبية نتيجة لكبر المطاف، وحول المطاف رسم الفنان الصحن مغطى بالحصباء (الزلط) الذي مثله على هيئة نقاط منتظمة، إلا أن الفنان هنا لم يرسم المماشي المبلطة التي تصل بين المطاف وأروقة المسجد، كذلك فقد نسي الفنان في هذا الرسم بعض العناصر الهامة الموجودة داخل الحرم مثل سقاية العباس، وقبة الخزنة، وباب بني شيبة، ومقام الشافعية والمنبر ذي العجلات.
ويحيط بصحن المسجد في هذا الرسم الأروقة، وقد مثلها الفنان رواقاً واحداً في كل جهة على هيئة صف من العقود، ولم يرسم الأمدة التي تحمل هذه العقود، ويتدلى من قمة كل عقد مشكاة، ويحيط بهذه الأروقة صف من القباب، وهذا مخالف للواقع، حيث إن المسجد في الواقع يحيط به ثلاثة صفوف من الأروقة، يعلوها ثلاثة صفوف من القباب، إلا أن الرسم هنا رمزي للغاية، فهذا الصف من العقود الذي يعلوه صف القباب يرمز إلى الأروقة ولا يدل على شكلها وتفاصيلها، ومن الجدير بالذكر أن الفنان هنا لم يرسم زيادة دار الندوة في منتصف الضلع الشمالي، ولا زيادة باب إبراهيم في منتصف الضلع الغربي.
أما أبواب المسجد فلم يرسم الفنان منها سوى باب السلام (ثلاث فتحات(، وباب مدرسة قايتباي في الجهة الشرقية (مقدمة اللوحة)، أما باقي أبواب هذه الجهة فقد اختلفت خلف بعض المباني غير الواضحة المعالم التي رسمها الفنان في هذه الجهة، ولم يرسم الفنان أبواب الجهة الشمالية، ولا الجنوبية، ولا الشرقية.
أما مآذن المسجد الحرام في هذا الرسم فقد رسمها الفنان سبعة ماذن طبقاً للواقع.
أما عن أسلوب رسم هذه الماذن فقد رسمها الفنان جميعاً متشابهة، وإن رسم بعضها بحجم صغير وبعضها بحجم كبير، وكلها ذات طراز واحد هو طراز القلم الرصاص المبري (الطراز العثماني)، والحقيقة عكس ذلك، إذ أن بعض هذه المآذن في الواقع على الطراز العثماني (طراز القلم الرصاص) مثل مئذنة باب الوداع، ومئذنة باب العمرة، ومئذنة السلطان سليمان وبعض هذه المآذن على الطراز المصري المملوكي (طراز القلة) مثل مئذنة باب الزيادة، ومئذنة باب السلام، ومئذنة السلطان قايتباي، إلا أن رسوم المآذن في هذا الرسم هي مجرد رموز تشير إلى مواقعها - دون أن تشير إلى أشكالها وطرزها، (انظر لوحة رقم 39).
وأخيراً نستطيع القول بأن هذا الرسم هو رسم رمزي جداً للمسجد الحرام، رسم الفنان فيه رموزاً تشير إلى عناصره ووحداته الرئيسية دون أن تدل بالضرورة على أشكالها وتفاصيلها، ولم يراع فيه قواعد الرسم المعماري ولا النسبة والتناسب، ولعل المادة الخام وأسلوب تنفيذ الرسم عليها كان لهما دور كبير في صعوبة التزام الفنان بالتفاصيل والدقة في هذا الرسم، بل وكافة الرسوم على البلاطات الخزفية، مع وضع ما تمر به هذه البلاطات من مراحل مختلفة كحرق وغيره، ومع وضع بعض الأشياء الأخرى في الاعتبار، مثل وجود أغلب هذه الرسوم على أكثر من بلاطة تكون معا الرسم المطلوب، وهو ما سنناقشه في الباب الخاص بالدراسة التحليلية في نهاية هذا البحث.
رسوم المسجد الحرام على بلاطات القرن 17م: وصل العديد من رسوم المسجد الحرام على البلاطات الخزفية التي ترجع للقرن 17م، بعض هذه الرسوم مرسومة على بلاطة واحدة، والبعض الآخر مكون من عدة بلاطات تكون مع رسم المسجد الحرام، وهي رسوم تجمع بين المسقط الأفقي والقطاع الرأسي، ومن الجدير بالذكر أن أغلب رسوم المسجد الحرام على البلاطات الخزفية ترجع إلى هذا القرن حيث انتشرت رسوم المسجد الحرام والمسجد النبوي على البلاطات الخزفية في هذا القرن، وخاصة في مدينة أزنيك في آسيا الصغرى.
وفيما يلي دراسة تفصيلية لعناصر المسجد الحرام في هذه الصورة، ومدى تطابقها مع الواقع، ومدى اتفاقها مع قواعد الرسم المعماري.
تتوسط الكعبة المسجد الحرام في هذا الرسم، وقد رسمها الفنان من جهتها الشرقية على هيئة مستطيل أسود اللون، يتوسطه من أسفل الباب بلون فيروزي، يعلوه شريط أبيض يشير إلى شريط الكتابات الممتد فوق الكسوة، وفي زاوية الكعبة من أسفل يوجد الحجر الأسود، وفي زاوية من أعلى جهة اليمين يوجد الميزاب مرسوماً بلون أحمر، ومن حيث تطابق رسم الكعبة في هذه الصورة مع الواقع نجد أن ارتفاع الكعبة هنا يفوق طول ضلعها الشرقي بكثير، وهوما يتنافى مع الواقع في زمان رسم هذه الرسوم، إذا أن ارتفاع الكعبة في الحقيقة 27 ذراعاً يكاد يساوي طول ضلعها الشرقي 26 ذراعاً، كذلك فرسم الباب هنا ملتصق بالأرض، في حين أنه في الواقع كان مرتفعاً عن الأرض بأربع أذرع في زمن رسم البلاطة.
ويجاور الكعبة حجر إسماعيل، وقد رسمه الفنان على هيئة قوس صغير في الجهة الشمالية من الكعبة (على يمين الناظر إلى الكعبة)، ويحيط بالكعبة وبحجر إسماعيل المطاف، وهو مستدير على حدوده أعمدة مشدود بعضها إلى بعض بأربطة يتدلى منها مشكاوات حمراء اللون، باستثناء الجهة الشرقية حيث يمتد المطاف خارج حدود الدائرة ليشمل مقام إبراهيم الذي رسمه الفنان بأسلوب القطاع الرأسي، على هيئة مربع صغير تعلوه قبة بأسلوب رمزي جداً، وفي الجهة الشرقية من المطاف وعلى نفس محور مقام إبراهيم رسم الفنان باب بني شيبة على هيئة باب معقود يستند على عمودين، في نفس المكان الذي كان فيه باب بنى شيبة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأسلوب رمزي جداً، ويجاور باب بني شيبة إلى اليمين منبر عثماني الطراز يشبه منبر السلطان سليمان الذي أهداه إلى المسجد الحرام سنة 966هـ، ولكنه مرسوم بأسلوب رمزي جداً، ولم يراع فيه التناسب بين أجزائه ولا التناسب مع العناصر المجاورة له، إذ أن ارتفاع المنبر هنا يكاد يساوي ارتفاع الكعبة، وضعف ارتفاع باب بني شيبة، وهو ما يتنافى مع الواقع.
وعلى يسار باب بني شيبة يوجد منبر صغير مكون من مجموعة من الدرجات، وهو المنبر الذي أشار إليه ابن جبير في رحلته، إلا أنه في هذا الرسم مكون من أربع درجات، والحقيقة أنه مكون من ثلاث درجات فقط، وله عجلات يمشي عليها، وكان موجوداً زمن ابن جبير في أواخر القرن السابع الهجري، وظل موجوداً طوال العصر العثماني( ).
ويجاور هذا المنبر جهة الجنوب مبنى زمزم، وقد رسمه الفنان على هيئة بناء مربع تعلوه قبة لها رفوف، والحقيقة أن رسم زمزم هنا بعيد كثير عن الواقع، إذ أن زمزم في ذلك العصر كانت عبارة عن بناء مستطيل تعلو جزءاً منه قبة صغيرة، والجزء الآخر مسقف بسقف خشبي مسطح يؤذن من فوقه شيخ مؤذني الحرم، فيرد عليه باقي المؤذنين من فوق المآذن.
وإلى الجنوب من زمزم رسم الفنان قبة سقاية العباس، وهي منحرفة عن موضعها، إذ أنه من المفروض أن تكون هذه القبة مجاورة لزمزم، ولكن بميل ناحية الشرق، وليس ناحية الجنوب، وقد رسمها الفنان بأسلوب رمزي جداً على كل مربع يعلوه قبة وإلى الشرق من زمزم وعلى مسافة كبيرة منها (جهة مقدمة اللوحة) رسم الفنان قبة الخزنة، وهذه القبة أيضاً منحرفة عن موضعها الحقيقي، إذ أنها من المفروض أن تكون هي وقبة العباس في الجهة الجنوبية الشرقية من زمزم، وقد رسمها الفنان هي الأخرى بأسلوب رمزي جداً، وجعل فوقها قبة ذات رفرف، وعلى واجهتها شبكة.
وفي الجهة الشمالية من المطاف رسم الفنان مقام الحنفي على شكل مجموعة من الأعمدة تحمل قبة، وهو مخالف للواقع فمقام الحنفي في الحقيقة مكون من طابقين لا طابق واحد كما هو موجود في هذا الرسم، ويعلوه جمالون لا قبة، وفي الجهة الغربية من المطاف رسم الفنان مقام المالكي على هيئة مربع تعلوه قبة، وهو مخالف للواقع، إذ أنه من المفروض أن يعلوه سقف هرمي الشكل لا قبة، وفي الجهة الجنوبية من المطاف رسم الفنان مقام الحنابلة على هيئة مربع تعلوه قبة، وهو بدوره مخالف للواقع، إذ أنه من المفروض أن يغطيه هو الآخر سقف هرمي لا قبة، ومن الجدير بالذكر أن رسوم مقامات الحنفية والمالكية والحنابلة، من ناحية الرسم المعماري تتنافى تماماً مع قواعد الرسم المعماري، فمقام الحنفي مرسوم على جانبه، وكذلك مقام الحنابلة، أما مقام المالكية فمرسوم مقلوباً رأسه إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى، وهو ما يتنافى مع قواعد الرسم المعماري التي تقضى بأن تكون جميع هذه المقامات مرسومة رأسية، وعلى محاور أفقية متوازية.
ومن الجدير بالذكر أن الفنان هنا لم يرسم المماشي التي تصل بين المطاف والأروقة، والحصباء التي توجد بين هذه المماشي، فيما نجده قد رسم نقاطاً منتظمة داخل المطاف وكأنها ترمز إلى الحصباء، وهو مخالف للواقع، إذ أنه من المعروف أن داخل المطاف مبلط بالأحجار، وخارجه مفروش بالحصباء، تقطعها مماشي مبلطة تصل بين المطاف وأروقة المسجد.
أما مآذن المسجد الحرام في هذا الرسم فقد رسمها الفنان سبعاً طبقاً للواقع.
أما عن طرز هذه المآذن فقد رسمها الفنان جمعيها بطراز واحد يتوجه شكل مخروطي، وهو ما يتنافى مع الواقع، فبعض هذه المآذن في الواقع ذات طراز مصري مملوكي (طراز القلة) مثل مئذنة قايتباي، ومئذنة باب السلام، وبعض هذه المآذن على الطراز العثماني (طراز القلم الرصاص المبري) مثل مئذنة باب العمرة، ومئذنة باب الوداع، ومئذنة السلطان سليمان، إلا أننا يمكننا.
أن نعتبر رسوم المآذن هنا مجرد رموز تشير إلى مواقع المآذن ووجودها دون أن تدل بالضرورة على شكلها وطرازها، فهو رسم رمزي للمسجد الحرام يعبر عن تفاصيله الرئيسية بأشكال رمزية لا تدل على الشكل الحقيقى، وإنما ترمز إليه، ولا يراعى فيه قواعد الرسم المعماري.
ومن الجدير بالذكر أن الفنان هنا لم يرسم أروقة المسجد ولا زيادة دار الندوة، وزيادة باب إبراهيم، وأبواب المسجد، فهو رسم لصحن المسجد الحرام وما به من العناصر، إضافة للمآذن التي رسمها الفنان إلى الداخل.
وهذا الرسم على بلاطة واحدة محفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة( )، وعليها توقيع الصانع، أحمد، وتاريخ سنة 1073هـ (الموافق 1662م)، وعليها أيضاً اسم صاحب الخيرات محمد أغا، وفي اعتقادي أن محمد أغا هذا هو الذي كلف الصانع أحمد عمل هذه البلاطة، كما تشتمل هذه البلاطة على شريط كتابي من أعلى عليه نص يقرأ (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله)، أما عن رسم المسجد الحرام على هذه البلاطة فهو مرسوم بأسلوب القطاع الرأسي.
وفيما يلي دراسة لعناصر المسجد الحرام في هذا الرسم، مع بيان مدى اتفاقها مع الواقع في زمان رسمها، ومدى مطابقتها لقواعد الرسم المعماري.
تتوسط الكعبة المسجد الحرام في هذا الرسم، وقد رسمها الفنان من الناحية الشرقية على هيئة مستطيل باللون البني الداكن، أسفله توجد فتحة باب صغيرة ملتصقة بالأرض، وهو ما يتنافى مع الواقع، إذ أن باب الكعبة في العصر العثماني كان مرتفعاً عن الأرض بحوالي أربعة أذرع، ويعلو هذا الباب شريط أصفر اللون يمتد على كسوة الكعبة ذات اللون البني الداكن، وعلى هذا الشريط زخارف دالية (متكسرة)، وهو أيضاً يتنافى مع الواقع، إذ المفروض أن هذا الشريط يشتمل على كتابات، وأعلى هذا المستطيل على يمين الناظر إليه ميزاب صغير مائل إلى أسفل، ولكنه لا يخرج من أعلى الكعبة، بل يخرج من الربع الأخير منها (من أعلى)، وهو ما يتنافى مع الواقع، أما التناسب بين ارتفاع الكعبة وطول ضلعها الشرقي فهو مطابق للواقع، حيث يكاد ارتفاع الكعبة هنا يساوي طول ضلعها الشرقي، وهو ما يتفق مع الواقع، فارتفاع الكعبة في الواقع (27 ذراعاً)، وطول ضلعها الشرقي (26 ذراعاً).
ويجاور الكعبة على يمين الناظر إليها حجر إسماعيل، وقد رسمه الفنان على هيئة قوس يكاد يلتصق بالكعبة، وهو ما يتنافى مع الواقع إذ أنه فى الحقيقة توجد مسافة ثمانية أذرع بين جدار الحجر وجدار الكعبة الشمالي، ويحيط بالكعبة وبحجر إسماعيل المطاف، وهو مستدير على حافته أعمدة مشدود بعضها إلى بعض بأربطة يتدلى منها مشكاوات، وقد رسمها الفنان هنا بأسلوب القطاع الرأسي، وإن كانت دائرة المطاف مرسومة بأسلوب المسقط الأفقي، وتخرج حدود المطاف الشرقية عن حدود الدائرة لتشمل مقام إبراهيم، وقد رسمه الفنان في موضعه على هيئة مبنى صغير تعلوه قبة صغيرة داخل حدود المطاف الشرقية، إلا أنه على نفس امتداده وعلى محوره، وعلى الحدود الشرقية للمطاف رسم الفنان بناء آخر كتب عليه (مقام إبراهيم)، وهو ليس في موضع مقام إبراهيم، بل إن هذا الموضع الذي كتب الفنان عليه مقام إبراهيم هو باب بني شيبة، أما مقام إبراهيم فهو مرسوم بالفعل في موضعه، ولكن ليس عليه أية كتابات، ولعل هذا يرجح أن هذا الرسم منقول عن رسم آخر، وأنه ليس من عمل الصانع أحمد، وإنما الصانع أحمد الذي وقع على هذه البلاطة هو مجرد ناقل لرسم الكعبة على البلاطة، ولم يكن متحرياً الدقة في كتابة البيانات على العناصر، أو لعل الرسم الأصلي لم يكن يشتمل على بيانات فأضاف أحمد من عنده هذه البيانات، ومن الواضح أنه لم يكن على دراية دقيقة بها فأخطأ في كتابة هذه البيانات.
داخل حدود المطاف الشرقية يوجد منبر عثماني الطراز إلا أنه مرسوم بأسلوب رمزي جداً، وهو يرمز إلى منبر السلطان سليمان الذي أهداه إلى المسجد الحرام سنة 966هـ وإن كان الفنان قد أخطأ قليلاً في تحديد موقعه، إذ المفروض أن هذا المنبر على حدود المطاف الشرقية وليس داخلاً في المطافي، أي أن الفنان قد رسمه إلى الداخل قليلاً، وفي الزاوية الجنوبية الشرقية من المطاف يوجد منبر مثلث الشكل رسمه الفنان من جانبه، وهو المنبر الذي وصفه ابن جبير وذكر أنه من ثلاث درجات، وله عجلات يمشي عليها، إلا أن الفنان هنا لم يرسم العجلات.
أما قبة زمزم فقد أخطأ الفنان فيها نفس الخطأ الذي أخطأه في مقام إبراهيم، إذ كتب كلمة زمزم على قبة موجودة في مقدمة الصورة وهذه القبة التي كتب عليها الفنان زمزم ليست قبة زمزم، وإنما هي قبة سقاية العباس، وبجوارها توجد قبة الخزنة، وقد استخدمت هاتان القبتان كمخازن لأوقاف المسجد الحرام اعتباراً من أواخر القرن السابع الهجري، أما قبة زمزم فقد رسمت في موضعها على الحدود الجنوبية الشرقية من دائرة المطاف، حيث رسم الفنان قبة بأسلوب القطاع الرأسي، وهذا يؤكد أن هذا الرسم ليس من وضع الصانع، وإنما هو منقول عن رسم آخر لفنان آخر، حيث إن الفنان هنا لا يدري بأماكن العناصر الصحيحة.
أما مقامات المذاهب فقد رسم الفنان مقام الحنفي في الجهة الشمالية من المطاف، وكتب عليه (مقام الحنفى) - وهو رسم خاطىء - من ثلاثة طوابق يعلوها سقف مسطح، وهو ما يتنافى والحقيقة تماماً، فمقام الحنفي مستطيل من طابقين يعلوهما سقف جمالوني، وليس شكلاً غير منتظم الأضلاع يعلوه سقف مسطح كما في هذا الرسم، أما مقام المالكي الذي رسمه الفنان مقلوباً فى الجهة الغربية من المطاف، فقد رسمه على هيئة بناء تعلوه قبة، وكذلك مقام الحنبلي من طابق واحد في الجهة الجنوبية للمطاف، ولكن يعلوه جمالون، وهو في ذلك إلى حد ما ينطبق مع الواقع في أسلوب تغطيته وإن كان أسلوب رسمه، وكذلك أسلوب رسم باقي المقامات هو أسلوب رمزي للغاية لم تراع فيه قواعد الرسم المعماري، ولا التناسب مع العناصر الموجودة داخل الحرم، ومن الجدير بالذكر أن الفنان في هذا الرسم لم يرسم المماشي المبلطة التي تصل بين المطاف والأروقة.
أما أروقة المسجد في هذا الرسم فقد رسمها الفنان رواقاً في كل جهة بأسلوب رمزي جداً، حيث جعل بوائك هذه الأروقة لا تفتح عقودها بالكامل على الصحن، بل جعلها مسدودة، وأسفل كل عقد باب يؤدي إلى الصحن، وهو ما لا يتفق مع الواقع على الإطلاق، ولم يحدث لأروقة المسجد الحرام على مدى تاريخها الطويل، وهو ما يؤكد أن الفنان الذي رسم هذه البلاطة هو مجرد ناقل، بل وربما لم ير المسجد الحرام قبل هذا الرسم، لأنه لو رآه لما رسم الأروقة بهذه الكيفية، ولأدرك أنها تفتح بكامل اتساعها على صحن المسجد.
أما أبواب المسجد الحرام فقد رسم الفنان هنا واجهة المسجد الشرقية، ورسم فيها بابين، كل باب من فتحة واحدة، كما رسم نافذتين في منتصف هذه الواجهة، وهذه الواجهة بهذا الشكل لا تتفق مع الواقع، إذ أنه من المعروف أن الواجهة الشرقية بها أربعة أبواب لا بابان فقط.
أما مآذن المسجد الحرام هنا فلم يرسم الفنان سوى مئذنتين، هما مئذنة باب السلام في الزاوية الشمالية الشرقية، ومئذنة باب على في الزاوية الجنوبية الشرقية، وقد رسمهما الفنان بحجم كبير جداً، إذ أن طول كل منهما يكاد يساوي نصف طول المسجد الحرام كله، وهو رسم رمزي لا يعبر عن واقع هذه المآذن، فمئذنة باب السلام على الطراز المصري (القلة)، ومئذنة باب على الطراز العثماني (القلم الرصاص) في حين أن الفنان هنا رسمهما متشابهتين، وبأسلوب لم يراع فيه التناسب مع باقي العناصر.
وأخيراً وخلاصة القول ففي اعتقادي - كما سبق القول - أن هذا الرسم من عمل شخص آخر، ونقله الصانع أحمد على هذه البلاطة، ولكن بأسلوب رمزي جداً، مع عدم مراعاة التناسب بين عناصر المسجد، ومع حذف عناصر وإضافة عناصر جديدة، مثل الأبواب أسفل الأروقة، وبعض المزهريات الموزعة على صحن المسجد في مجموعات من اثنتين وثلاث مزهريات، فهو رسم رمزي زخرفي لم يراع فيه قواعد الرسم المعماري، فهو رسم شعبي نستطيع أن نقارنه بالرسوم الشعبية التي تصنع للحجاج على بيوتهم، ولعل محمد أغا الذي ورد ذكره على هذه البلاطة هو حاج كلف الصانع أحمد عمل بلاطة عليها رسم المسجد الحرام تخليداً لهذه الذكرى، فرسم الصانع أحمد هذه البلاطة نقلاً عن رسم آخر أصلى، ولكن مع إضفاء البساطة والشعبية عليه، وعدم الالتزام بتفاصيله، وعناصره نظراً لعدم كون هذه التفاصيل ذات قيمة كبيرة في هذا الرسم، إضافة لطبيعة المادة وأسلوب الرسم عليها، فهي أكثر صعوبة من الورق، .
تفريغ لرسم المسجد الحرام على بلاطة خزفية بمتحص الفن الاسلامي بالقاهرة رقم السجل 3251 مؤرخ سنة الرسم الثالث: (لوحة رقم 42): وهذا الرسم على بلاطة من الخزف محفوظة بمتحف فكتوريا وألبرت - لندن ومؤرخة سنة 1077هـ (1666م) نشرها إميل إيزن( )، وهو مرسوم بأسلوب يجمع بين المسقط الأفقي والقطاع الرأسي، وهذا الرسم موجود داخل إطار مستطيل تعلوه حشوة مستطيلة بداخلها آيتان قرآنيتان في ثلاثة سطور تقرأ (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً، ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، ويعلو هذه الحشوة المستطيلة عقد مفصص بداخله شكل سحب صينية بيضاء على أرضية زرقاء، ويحيط برسم المسجد الحرام والحشوة والعقد الذي يعلوها إطاران من أشكال الشرافات، الداخلي بلون أزرق داكن، والخارجي بلون فيروزي على أرضية سمنية اللون.
أما رسم المسجد الحرام والذي يتوسط هذه البلاطة، فهو - كما سبق القول - يجمع في أسلوب رسمه بين المسقط الأفقي والقطاع الرأسي، وفيما يلي دراسة لعناصر المسجد الحرام في هذا الرسم، ومدى مطابقتها للواقع في زمان رسمها، ومدى اتفاقها مع قواعد الرسم المعماري.
تتوسط الكعبة المسجد الحرام في هذا الرسم تقريباً، وقد رسمها الفنان من الجهة الشرقية على هيئة مستطيل أسود اللون، أسفله فتحة باب صغيرة بيضاء، يعلوها شريط أبيض يمتد فوقه كسوة الكعبة السوداء إشارة إلى شريط الكتابات، وينبثق من أعلى هذا المستطيل (الكعبة) على يمين الناظر إليه ميزاب صغير يصب في الحجر، ومن الجدير بالذكر أن ارتفاع الكعبة في هذا الرسم لا يتناسب مع طول ضلعها الشرقي، فارتفاعها هنا أكبر من طول ضلعها الشرقي بكثير، وهما في الحقيقة يكادان يتساويان، كذلك باب الكعبة هنا ملاصق للأرض، وهو في الحقيقة مرتفع عن الأرض بحوالي أربع أذرعة، أما حجر إسماعيل فقد رسمه الفنان في الجهة الشمالية من الكعبة بأسلوب المسقط الأفقي، على هيئة قوس أبيض على أرضية المطاف ذات اللون الأزرق الفيروزي، وبداخل الحجر رسم الفنان قبر إسماعيل، ومن الجدير بالذكر أن الفنان هنا قد جعل حجر إسماعيل ملاصقاً للكعبة، والحقيقة عكس ذلك، إذ يبعد جدار حجر إسماعيل عن جدارالكعبة بحوالي ثماني أذرعة.
ويحيط بالكعبة وبحجر إسماعيل مطاف مستدير على حافته أعمدة مشدود بعضها إلى بعض بأربطة يتدلى منها مشكاوات للإضاءة، باستثناء الجهة الشرقية التي يمتد فيها المطاف خارج حدود الدائرة ليشمل مقام إبراهيم، والذي رسمه الفنان بأسلوب القطاع الرأسي على هيئة مربع صغير تعلوه قبة، وعلى محوره (على الحدود الشرقية للمطاف) رسم الفنان باب بني شيبة، وعلى يمينه - ولكن داخل المطاف - منبر كبير الحجم له باب روضة وريشتان ودرج وجوسق، إلا أن جوسقه لا ينتهي بقمة، والمفروض أن هذا المنبر هو منبر السلطان سليمان، وأن قمته على هيئة القلم الرصاص، وعلى يسار باب بني شيبة يوجد منبر مثلث الشكل هو المنبر ذو العجلات الذي أشار إليه ابن جبير، والذي ظل موجوداً بالمسجد طوال العصر العثماني، وإن كان الفنان هنا لم يرسم له العجلات.
وفي الجهة الجنوبية الشرقية من المطاف نجد قبة مكتوباً عليها مقام الشافعي، وهي في موقع مبنى زمزم، أما مقام الشافعى فهو على الحدود الشرقية للمطاف على محور الكعبة ومقام إبراهيم، وأغلب الظن أن الكتابة هنا خاطئة وإن المقصود بهذه القبة هو قبة زمزم، خصوصا أن الفنان لم يشر إلى أى بناء آخر مجاور على أنه زمزم، ويجاور هذه القبة سقيفة (مقام) الحنابلة، وقد رسمه الفنان على جانبه على هيئة مربع صغير يعلوه سقف هرمى، وهو قائم على- قاعدة مرتفعة، وهو إلى حد ما يرمز إلى الواقع وإن كان رسما رمزيا، لم يراع فيه قواعد الرسم المعمارى ولا النسبة والتناسب، إلا أنه عبر.
عن أن مقام الحنابلة على أنه من طابق واحد، وقائم على قاعدة مرتفعة، وله سقف هرمي، وهو ما يتفق مع الحقيقة، وكذلك مقام المالكية، والذي ورسمه الفنان في الجهة الغربية من دائرة المطاف، ورسمه أيضاً من طابق واحد يعلوه سقف هرمى، وهو ما يتفق مع الواقع، إلا أن أسلوب رسمه- مقلوبا- لا يتفق مع قواعد الرسم المعمارى، أما مقام الحنفى الذى رسمه الفنان فى الجهة الشمالية من المطاف فقد نجح الفنان فى إظهار بعض خصائصه الحقيقية فى هذا الرسم، مثل رسمه من طابقين يغطيه سقف جمالونى، وإن كان أسلوب رسمه هو الآخر مائلا على جانبه لا يتفق مع قواعد الرسم المعمارى.
وفى الجهة الشرقية من المطاف "من جهة مقدمة اللوحة" رسم الفنان قبتين إحداهما كتب عليها قبة العباس، والأخرى قبة الخزنة، وهاتان القبتان منحرفتان عن موضعهما الحقيقى جهة الشمال قليلا، كذلك فأسلوب رسمهما رمزى جدا لم يراع فيه قواعد الرسم المعمارى، ومن الجدير بالذكر أن الفنان هنا لم يرسم المماشى التى تصل بين المطاف والأروقة، والحصباء التى تحصرها فيما بينها، بل اكتفى بأن جعل أرضية المطاف باللون الفيروزى، وباقى الصحن باللون اللبنى بالصحن من جهاته الأربع أروقة المسجد الحرام، وقد رسمها الفنان هنا روافا فى كل جهة بأسلوب القطاع الرأسى، كل رواق على هيئة بائكة من العقود المحمولة على أعمدة، ويتدلى من العقود مشكاوات، وخول هذه الا"روقة من الجهات الا*ربع رسم الفنان صفا من القباب، وهذا مخالف للواقع؟ إذ أنه من المعروف أن المسجد الحرام فى ذلك العصر "زمان رسم البلاطة" كان محاطا بثلاثة أروقة من كل جانب، يعلوها ثلاثة صفوف من القباب.
أما أبواب المسجد فقد رسمها الفنان بطريقة غريبة لم نجدها فى الرسوم السابقة، حيث جعلها تبدو من خلال* البوائك المحيطة بصحن المسجد الحرام، على هيئة مربعات صغيرة معقودة داخل هذه البوائك، وقد وقع في أخطاء عديدة في توزيع هذه الأبواب وعددها، وعدد فتحاتها، وكتب أسماءها عليها من داخل الصحن، ففي الجهة الشمالية رسم الفنان داخل البوائك (من وراء البوائك)، ستة أبواب.
أما الجهة الجنوبية فقد رسم الفنان فيها سبعة أبواب أما الجهة الغربية فقد رسم الفنان فيها ثلاثة أبواب أما مآذن المسجد فقد رسم الفنان هنا رموزاً صغيرة لها، فرسم رموزاً لسبعة مآذن.
أما عن أشكال هذه المآذن فقد رسمها الفنان كلها بشكل واحد وطراز واحد، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إن هذه المآذن ذات طرز متعددة، فبعضها على الطراز المملوكي مثل مئذنة باب السلام، وبعضها على الطراز العثماني مثل مئذنة السلطان سليمان، إلا أننا نستطيع أن نعتبر رسوم المآذن.
هنا مجرد رموز تشير إلى وجودها ومواقعها دون أن تعبرعن أشكالها وطرزها.
ومن الجدير بالذكر أن الفنان لم يرسم على هذه البلاطة زيادة دار الندوة بالمسجد الحرام في منتصف الضلع الشمالي، أما زيادة باب إبراهيم في منتصف الضلع الغربي فقد عبر عنها بطريقة رمزية جداً على هيئة جزء مستطيل صغير بارز عن سمت الجدار في الجهة الغربية، كذلك فقد رسم الفنان المدارس الأربع السليمانية في الجهة الشرقية من الضلع الشمالي على هيئة أربع قباب مرتفعة عن مستوى قباب الأروقة، إلا أنه جعلها على صف واحد، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إن هذه المدارس الأربع في واقعها في صفين، في كل صف مدرستان، يعلو كلا منهما قبة كبيرة.
الرسم الرابع: (لوحة رقم 43): وقد نشر هذا الرسم برنارد لويس( ) دون أن يقوم بدراسته، وهذا الرسم على مجموعة من البلاطات، عددها 48 بلاطة محفوظة بمتحف طوبقا بوسراي - استانبول، ومؤرخة سنة 1077هـ (1666م) وعليها توقيع الصانع على، ومكان الصنع هو الاسكندرية، وهذا الرسم مرسوم بأسلوب يجمع بين المسقط الأفقي والقطاع الرأسي.
وفيما يلي دراسة لعناصر المسجد الحرام في هذا الرسم، ومدى تطباقها مع الواقع في زمان رسمها، ومدى اتفاقها مع قواعد الرسم المعماري.
تتوسط الكعبة المسجد الحرام في هذا الرسم، وقد رسمها الفنان بأسلوب القطاع الرأسي من الجهة الشرقية، على هيئة مستطيل أسود اللون به من أسفل باب صغير أزرق، مرتفع عن الأرض، وبجوار الباب سلم خارجي، ويعلو الباب إزار أصفر اللون يمتد فوق كسوة الكعبة السوداء اللون، وهو يرمز لشريط الكتابات الذي يمتد على الكسوة، ومن الجدير بالذكر أن الفنان لم يراع التناسب بين أطوال الكعبة في هذا الرسم، حيث رسم ارتفاع الكعبة هنا أكبر من طول ضلعها الشرقي بكثير، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث أن ارتفاع الكعبة في الواقع 27 ذراعاً يكاد يساوي طول ضلعها الشرقي 26 ذراعاً، إلا أن موقع الباب في هذا الرسم، وارتفاعه عن الأرض، والسلم الخارجي الذي يصعد منه إلى داخل الكعبة، يتفقان مع الواقع، وإن كان يعبر عنهما بصورة رمزية.
وإلى جوار الكعبة رسم الفنان حجر إسماعيل وقد رسمه بحجم صغير جداً، ومنحرف عن موضعه في الواقع، حيث رسم منحرفاً قليلاً جهة الغرب، كما أن المسافة بينه وبين الكعبة صغيرة جداً، لا تتفق مع الواقع، وقد كتب عليها الفنان (الحطيم)( ).
ويحيط بالكعبة وبحجر إسماعيل المطاف، وهو مستدير على حدوده أعمدة مشدود بعضها إلى بعض بأربطة يتدلى منها مشكاوات للإضاءة، باستثناء الجهة الشرقية، حيث تمتد حدود المطاف خارج حدود الدائرة لتشمل مقام إبراهيم وبعض المنشآت الأخرى، ومن الجدير بالذكر أن المطاف في هذا الرسم ممتد كثيراً جهة الشرق أكثر من الواقع، وقد رسمه الفنان مبلطاً بالحجرة، أما مقام إبراهيم فقد رسمه الفنان بأسلوب القطاع الرأسي على هيئة مربع صغير تعلوه قبة، مرسوم بأسلوب رمزي جداً.
وإلى جوار مقام إبراهيم رسم الفنان مبنى زمزم على هيئة مربع صغير تعلوه قبة، ولم يرسم المصلى الموجود خلف هذه القبة، كذلك حجم زمزم هنا صغير جداً، ولا يتناسب مع حجمه الحقيقي، ولا يتناسب مع حجم العناصر المحيطة به، وخصوصاً مقام إبراهيم، والمنبر الذي رسمه الفنان ضعف ارتفاع قبة زمزم، وهو ما يتنافى مع الواقع، وقد رسم الفنان هذا المنبر على الطراز العثماني، وهو يشبه إلى حد كبير منبر السلطان سليمان الذي أهداه إلى المسجد الحرام سنة 966هـ وإن كان مرسوماً بأسلوب رمزي، ولم يراع فيه التناسب مع باقي العناصر داخل الحرم.
وعلى حدود المطاف الشرقية رسم الفنان باب بني شيبة، في نفس الموقع الذي كان فيه زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان منحرفاً قليلاً جهة الشرق نتيجة لامتداد حدود المطاف من هذه الجهة أكثر من اللازم.
وبالجهة الشرقية من صحن الجامع رسم الفنان قبتين؛ إحداهما قبة العباس، والأخرى قبة الخزنة، وقد رسمتا منحرفتين عن موضعهما جهة الشمال قليلاً؛ حيث إن موضعهما الحقيقي هو بالقرب من الزاوية الجنوبية الشرقية من صحن المسجد في حين أننا نجد هنا قبة العباس تتوسط الضلع الشرقي للصحن على نفس محور الكعبة، وهو ما يتنافى مع الواقع، وقد رسمهما الفنان بأسلوب رمزي جداً على هيئة مربعين تعلو كلا منهما قبة صغيرة.
وبالجهة الشمالية من المطاف (على يمين الناظر) إلى المطاف رسم الفنان مقام الحنفية على هيئة مربع صغير يعلوه سقف هرمي، وهو مرسوم بحجم صغير جداً لا يتفق مع الواقع، ولا يتناسب مع حجم العناصر الموجودة داخل الحرم، كما رسمه من طابق واحد، وهو ما يخالف الواقع، حيث أن مقام الحنفية في الواقع مكون من طابقين لا طابق واحد.
وبالجهة الغربية من المطاف رسم الفنان مقام المالكية، وبالجهة الجنوبية الشرقية من دائرة المطاف رسم الفنان مقام الحنابلة، وقد رسمهما الفنان من طابق واحد، وهو ما يتفق مع الواقع، إلا أن حجمهما صغير للغاية، لا يتفق على الإطلاق مع الواقع، حيث إن حجم مقام الحنابلة هنا أصغر من حجم مقام إبراهيم، وحجم المنبر يعادل حجم مقام الحنابلة حوالي خمس مرات، وهو ما يتنافى مع الواقع تماماً.
أما صحن المسجد الحرام في هذا الرسم فقد رسمه الفنان أكثر استطالة من الواقع، وطول ضلعه الشمالي أكثر من ضعف طول ضلعه الشرقي، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إن طول الضلع الشمالي لصحن المسجد الحرام يساوي طول الضلع الشرقي مرة ونصفاً تقريباً في الواقع، ومن الجدير بالذكر أن الفنان لم يرسم المماشي المبلطة التي تصل بين المطاف وأروقة المسجد، بل مد المطاف من الجهة الشرقية أكثر من اللازم.
أما أروقة المسجد الحرام في هذا الرسم، فقد رسمها الفنان رواقاً في كل جهة من جهات الصحن بأسلوب القطاع الرأسي، وإن كان قد جانبه الصواب في أنه جعل بائكه الرواق في كل ضلع رأسية على هذا الضلع، وكانت نتيجة ذلك أن أصبحت بوائك الرواق الشمالي والجنوبي على جانبها الشرقي مقلوبة، وهو ما يتنافى مع قواعد الرسم المعماري، كما أن الفنان قد رسم عقود هذه البوائك نصف دائرية، وهي في الحقيقة مدببة، ويحيط بهذه الأروقة في مستوى ثان في أبواب المسجد ويحيط بها صف من القباب من المفروض أنها تعلو الأروقة، وهي مخالفة للواقع؛ إذ المفروض أن المسجد الحرام محاط بثلاثة أروقة، يعلوها ثلاثة صفوف من القباب.
أما أبواب المسجد التي رسمها الفنان كما سبق القول في مستوى محصور ما بين الأروقة والقباب، فقد رسم الفنان في الجهة الشمالية خمسة أبواب، هي باب السدة، باب العجلة، باب الندوة، باب الزيادة، باب دريبة.
أما الجهة الجنوبية فقد رسم الفنان فيها سبعة أبواب هي باب بازان، باب الصفا، باب الرحمة، باب أسماه الفنان باب الحيا وهو معروف باسم باب بني مخزوم، باب شريف( )، باب أم هانئ.
أما الجهة الشرقية فقد رسم الفنان فيها أربعة أبواب هي باب السلام، باب النبي، باب العباس، باب علي.
أما الجهة الغربية فقد رسم الفنان فيها ثلاثة أبواب هي باب العمرة، باب إبراهيم، باب الوداع.
وهكذا نرى أن الفنان قد نجح في إبراز مواقع الأبواب وأسمائها، وعدد فتحتها في بعض الجهات، في حين أنه أخطأ في البعض الآخر.
أما مآذن المسجد الحرام فقد رسم الفنان هنا سبع مآذن - وهو ما يتفق مع الواقع.
أما عن أشكال هذه المآذن فقد رسمها الفنان بطراز واحد هو الطراز العثماني (طراز القلم الرصاص المبري)، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إن هذه المآذن ذات طرز متعددة، وبعض هذه المآذن على الطراز العثماني مثل مئذنة باب العمرة، ومئذنة السلطان سليمان، ونستطيع أن نعتبر هذه المآذن مجرد رموز تشير إليها، وإلى وجودها، دون أن تدل على طرزها وتفاصيلها، ودون مراعاة لقواعد النسبة والتناسب، على الرغم من تنويع الرسام في أطوال هذه المآذن، حتى إن مئذنة السلطان سليمان تكاد تعادل في طولها طول صحن المسجد الحرام، وهو ما يتنافى تماماً مع الواقع، وهي تعادل في طولها في هذا الرسم طول مئذنة قايتباي مرتين، وهو ما يتنافى مع الواقع، ومع قواعد النسبة والتناسب.
ومن الجدير بالذكر أن الفنان قد رسم هنا مدارس السلطان سليمان، وكتب عليها"مدارلس سلطان سليمان "، وهى أربعة مبالب صغيرة فى الطرف الشرقى من الجهة الشمالية يعلوها قباب، وقد رسمها الفنان على صف واحد، وهو ما يتنافى مع الواقع، حيث إن هذه المدارس الأربع موجودة في صفين، في كل صف مدرستان، ومن الجدير بالذكر أن الفنان لم يرسم هنا زيادة دار الندوة فى الجهة الشمالية من المسجد، ولا زيادة باب إبراهيم فى الجهة الغربية منه، وأخيرا فهذا الرسم رسم اصطلاحى حاول الفنان فيه الرمز إلى عناصر المسجد الحرام بشكل رمزى، ولم يراع فيه قواعد الرسم المعمارى، وخصوصا فى رسم الصحن والمطاف والمآذن. "لوحة 43 "، " شكل 32".
الرسم ا- لخامس: "لوحة رقم 44 ":
وهذا الرسم على مجموعة من البلاطات الخرفية عددها 60 بلاطة غ محفوظة بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة، رقم السجل 0 924، وهومؤرخ سنة 87 0 1 هـ (676 ام)، وليس عليه توقيع الصانع.
ويشبه هذا الرسم رسما آخر موجود بمتحف طوبقا بوسراى- استانبول، ومؤرخ سنة 1077 هـ (أى قبل هذا الرسم بحوالى 10 سنوات) "صورة رقم 46"، وعليه توقيع الصانع على، ولعل هذا الرسم الذى نحمت بصدده من عمل نفس الصانع، أو أحد تلاميذه، حيث إنه من الواضح أن هناك علاقة وثيقة بين الرسمين، ومن الواضح أن هذا الرسم الذى نحن بصدده منقول عن الرسم الموجود بمتحف طوبقا بوسراى نظرا للتشابه الكبير بينهما.
فيما يلى دراسة لهذا الرسم وتفاصيله، مع مقارنته بالواقع فى زمان رسمه، وبقواعد الرسم المعمارى، ومقارنته بالرسم الموجود بمتحف طوبقا بوسراى، والذى يكاد يشبهه تماما باستثناء بعض التفاصيل الصغيرة. "قارن بين لوحة 44 *لوحة 46".
تتوسط الكعبة المسجد الحرام في هذا الرسم، وقد رسمها الفنان بأسلوب القاطع الرأسي من الجهة الشرقية، على هيئة مستطيل أسود اللون يتوسطه من أسفل فتحة باب صغيرة ملاصقة للأرض، يعلوها إزار عريض جداً يرمز إلى شريط الكتابات الممتد على الكسوة، وأسفل الكعبة وفي الزاوية التي على يمين الباب الحجر الأسود، ومن حيث مطابقة رسم الكعبة هنا للواقع، نجد أ