بوابة الحرمين الشريفين

خصائص الحرمين
مضاعفة الحسنات عامة في الحرم:

مضاعفة الحسنات عامة في الحرم:
عرفنا فيما مضى أن الصلاة تتضاعف ثواباً في الحرم المكي، وهل يشمل تضاعف الأجر في الحسنات الأخرى أم لا؟ فقد روى البزار وابن خزيمة والحاكم والطبراني والدولابي كلهم من طريق عيسى بن سوادة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زاذان قال: مرض ابن عباس مرضاً شديداً فدعا ولده فجمعهم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من حج من مكة ماشياً حتى يرجع إلى مكة، كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة، كل حسنة مثل حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟، قال: بكل حسنة مائة ألف حسنة}، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه( ).
وتعقبه الذهبي فقال: ليس بصحيح، أخشى أن يكون كذباً وعيسى، قال أبو حاتم: منكر الحديث( ).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: وله عند البزار إسنادان أحدهما فيه كذاب، والآخر فيه إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن جبير ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات( ). قلت: يعني بالكذاب عيسى بن سوادة الذي اتهمه الذهبي فيما سبق وأورده ابن خزيمة في صحيحه تحت باب: (فضل الحج ماشياً من مكة إن صح الخبر، فإن في القلب من عيسى بن سوادة هذا).
وعيسى بن سوادة، وورد في الضعفاء الكبير للبخاري عيسى بن سواء (بالهمزة).
فإن كان الأول فقد قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف، روى حديثاً منكراً مشيراً إلى هذا الحديث، وقال ابن معين: (كذاب رأيته).
وإن كان الآخر فقد قال فيه البخاري: منكر الحديث وذكر حديثه هذا بإسناده( ).
ولكن قال الفاسي:
رواه البيهقي بسنده إلى عيسى بن سوادة عن إسماعيل بن أبي خالد عن زادان، وقال: تفرد به عيسى بن سوادة وهو مجهول.
قلت (الفاسي): لم يتفرد به عيسى بن سوادة كما ذكر البيهقي، لأننا رويناه في الأربعين المختارة لخطيب مكة الحافظ ابن مسدي وغيرها من حديث سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد، الذي رواه عنه ابن سوادة، وقال ابن مسدي: هذا حديث حسن غريب.اهـ( ).
وابن مسدي هذا هو محمد بن يوسف بن مسدي الأزدي أبو بكر المهلبي، كان من علماء الحديث، قال ابن حجر فيه: كان من بحور العلم ومن كبار الحفاظ، له أوهام وفيه تشيع، كانت ولادته سنة 599 ووفاته سنة 663( ).
وله طرق أخرى بها يرتقي الحديث إلى درجة الحسن لغيره إن شاء الله.
روى البزار من طريق يحيى بن سليم حدثنا محمد بن مسلم عن إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يا بني أخرجوا من مكة حاجين مشاة حتى ترجعوا إلى مكة مشاة، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الحاج الراكب له بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، وأن الحاج الماشي له بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: يا رسول الله وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف حسنة}.
قال البزار: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه( ).
وهذا الإسناد ضعيف، يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيء الحفظ( )، وكذلك إسماعيل بن إبراهيم.
وقد تقدم قول الهيثمي مشيراً إلى هذا الحديث: فيه إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن جبير ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
ويظهر لي أنه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي النخعي وهو ضعيف ضعفه ابن معين وأحمد وأبو حاتم وغيرهم وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ، وقال ابن حجر في التقريب: ضعيف من السابعة( ).
ولكن ضعفهما ليس شديداً، لذا يعتبر بهذا الإسناد.
لنراه الأزرقي فقال: حدثني أحمد بن ميسرة المكي حدثنا يحيى بن سليم قال حدثني محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه، وأخرب الفاكهي وعنده محمد بن مسلم عمن أخبره عن سعيد( ).
وهذا الإسناد أيضاً ضعيف لأجل يحيى بن سليم والبقية ثقات.
وطريق ثالث، أخرجه الأزرقي أيضاً قال: حدثني أبن أبي عمر حدثني إسماعيل بن إبراهيم الصائغ قال: حدثني هارون بن كعب بن زيد الحواري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه جمع بنيه عند موته فقال: [[يا بني لست آسى على شيء كما أسى أن لا أكون حججت ماشياً فحجوا مشاة، قالوا: ومن أين؟ قال: من مكة حتى ترجعوا إليها، فإن للراكب بكل قدم سبعين حسنة وللماشي بكل قدم سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قالوا: وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف حسنة]]( ).
وهذا الإسناد أيضاً ضعيف، هارون بن كعب لم أجده وزيد الحواري وهو (زيد بن الحواري) ضعيف( ).
وهذه الطرق يقوي بعضها بعضاً ويكون الحديث حسناً لغيره فإن صح ما ذكره الفاسي عن ابن المسدي يزيده قوة، والله أعلم. وروى ابن ماجه والأزرقي من طريق عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه قال: {من أدرك رمضان بمكة فصام وقام منه ما تيسر له، كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها، وكتب الله له بكل يوم عتق رقبة وكل ليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة وفي كل ليلة حسنة} ( ).
وهذا الحديث ضعيف جداً لأجل عبد الرحيم بن زيد العمي فإنه متروك متهم بالكذب( ) وروى عن الحسن البصري، قال: صوم يوم بمكة بمائة ألف وصدقة درهم بمائة ألف، وكل حسنة بمائة ألف، أخرجه صاحب مثير الغرام( ).
وقال النووي: قد سبق أن الصلوات يتضاعف الأجر فيها في مكة وكذا سائر أنواع الطاعات أيضاً، وممن قال ذلك مجاهد وأحمد بن حنبل( ).
وبعد:
فنرجو من رحمة الله التي وسعت كل شيء أن تحصل مضاعفة الأجر في جميع الحسنات بمكة، والله رحيم بالعباد.
دخول مكة بغير إحرام:
لا خلاف بين العلماء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح أنه لم يكن آنذاك محرماً، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه.
فلذا يجوز الدخول فيها للقتال المباح بغير إحرام بدون خلاف.
وكذلك لا خلاف أنه لا يجوز دخول من أراد الحج أو العمرة إلا بإحرام واختلف فيما سوى ذلك إذا لم يمكن الدخول لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب على ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يجوز دخولها إلا بإحرام، وهذا مذهب ابن عباس وأحمد في ظاهر مذهبه والشافعي في أحد أقواله.
والثاني: أنه كالحشاش والحطاب فيدخلها بغير إحرام وهذا هو القول الآخر للشافعي ورواية عن أحمد.
والثالث: أنه إن كان داخل المواقيت جاز دخوله بغير إحرام، وإن كان خارج المواقيت، لم يدخل إلا بإحرام وهذا مذهب أبي حنيفة ذكر ابن القيم في الزاد نحو ما تقدم وقال: (وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم في المجاهد ومريد النسك، وأما من عداهما فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله. أو أجمعت عليه الأمة( ).
فالذي يظهر أنه لا يجب الإحرام إلا من أراد دخول مكة لأحد النسكين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت قال: {هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة} ( ).
فمفهومه أنه لا يلزم الإحرام إلا ممن أراد الحج أو العمرة. وأما إذا لم يردهما فلا يجب عليه وإذا ترك الإحرام فلا فدية عليه ولا شيء غيرها.
مكة دار الإسلام إلى يوم القيامة:
روى البخاري وغيره... عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: {لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم، فانفروا} ( ).
وروى النسائي عن عمرو بن عبد الرحمن بن أمية أن أباه أخبره أن يعلى قال: {جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يوم الفتح فقلت: يا رسول الله بايع أبي على الهجرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبايعه على الجهاد، وقد انقطعت الهجرة}.
وعن صفوان بن أمية، قال: قلت: {يا رسول الله: إنهم يقولون: إن الجنة لا يدخلها إلا مهاجر، قال: لا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا} ( ).
والمراد: الهجرة من مكة إلى غيرها، قال الخطابي وغيره: كانت الهجرة فرضاً في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقى فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو. اهـ.
وكانت الحكمة أيضاً في وجرب الهجرة على من أسلم لنسلم من أذى الكفار، فيوم مكة دخل الناس في دين الله أفواجاً، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو. اهـ.
وكانت الحكمة أيضاً في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم هو من أذى الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه، وفيهم نزلت: ((إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)) [النساء:97].
وهذه الهجرة باقية في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعاً، لا يقبل الله من مشرك عملاً بعدما أسلم أو يفارق المشركين.
ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعاً أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. وهذا محمول على من لم يأمن على دينه( ).
وروى أبو داود عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها( )، وأما مكة فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنها تبقى أبد الآباد دار الإسلام، لا يحتاج المسلم إلى الهجرة منها، حتى يأتي أمر الله فيأرز الدين والإسلام إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها.
كما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها} أخرجه أحمد ومسلم. وأخرجه أحمد من حديث سعيد أيضاً( ).
وروى أحمد وغيره عن الحارث بن مالك الليثي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة: {لا تغزى هذه بعدها أبداً إلى يوم القيامة} ( ).
وروى أحمد أيضاً عن فطيع بن الأسود قال: {سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبداً ولا يقتل رجل من قريش بعد العام صبراً أبداً}( ).
نعم إن أعداء الإسلام وخاصة المسمين بالمستشرقين وأغلبهم يهود الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، يجدون منفذاً للطعن على الإسلام والمسلمين بمثل هذه الروايات الضعيفة والموضوعة، والإسلام منها بريء براءة الذئب من دم يوسف.
فلذلك ننادي باستعمال قواعد التحديث والمحدثين في معرفة الصحيح والسقيم حتى في الروايات التاريخية، التي يجوز الكثير فيها التساهل في نقدها وتمحيصها لأن الإسلام حقيقة ثابتة في عقيدته وأحكامه وتاريخه وجميع ما يتعلق به.
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة:
فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من تطهير البيت من أرجاس الجاهلية، صلى ركعتين في جوفها. روى البخاري ومسلم: عن عبد الله بن عمر أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالاً، فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم بين العمودين اليمانيين.
وفي رواية مسلم قال: جعل عمودين عن يساره وعموداً عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى( ). مكان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة روى الأزرقي بإسناد صحيح عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل، وجعل الباب قبل ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه حين تدخل قريباً من ثلاثة أذرع، فصلى وهو يتوخى المكان الذي أخبره بلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وليس على أحد بأس أن يصلي في أي جوانب البيت شاء( ).
وروى الأزرقي بإسناد حسن في حديث طويل وفيه ذكر دخول معاوية رضي الله عنه الكعبة وطلبة لعبد الله بن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام دخلها؟ قال: بين العمودين المقدمين، اجعل بينك وبين الجدر ذراعين أو ثلاثاً( ). أورده ابن حجر في فتح الباري.
ثم قال: فعلى هذا ينبغي لمن أراد الإتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع، فإنه تقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواء، وتقع ركبتاه أو يداه ووجهه إن كان أقل من ثلاثة والله أعلم( ).
ومقدار صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتان.
روى البخاري عن مجاهد قال: أتى ابن عمر فقيل له: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة، فقال ابن عمر: فأقبلت والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، وأجد بلالاً قائماً بين البابين، فسألت بلالاً فقلت أصلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين الساريتين اللتين على يساره إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين( ).
وهذه الأحاديث فيها إثبات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في داخل الكعبة.
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم، أبي أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط، فدخل البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه( ).
وعن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج ركع قبل البيت ركعتين وقال: هذه القبلة.
ففي هذا نفي صريح لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وقد اختلفت أقوال العلماء في الجمع بينهما.
قال ابن حبان: الأشبه عندي في الجمعان يجعل الخبران في وقتين فيقال لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال ويجعل نفي ابن عباس في الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها لأن ابن عباس نفاها وأسنده إلى أسامة، وابن عمر أثبتها وأسند إثباته إلى بلال وإلى أسامة أيضاً فإذا حمل الخبر على وما وصفنا بطل التعارض( ).
وقال المحب الطبري: وقد اختلف بلال وأسامة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت، وحكم العلماء بترجيح حديث بلال لأنه أثبت وضبط ما لم يضبطه أسامة، والمثبت مقدم على النافي.. ويحتمل أن يكون أسامة غاب عنه بعد دخوله لحاجة، فلم يشهد صلاته، وقد روى ابن المنذر عن أسامة أن النبي رأى صوراً في الكعبة فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به الصور فأخبر أنه كان يخرج لنقل الماء.
وكان ذلك يوم الفتح وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة إنما كانت يوم الفتح لا في حجة الوداع( ).
ورواية أسامة في خروجه لنقل الماء أخرجها أبو داود الطيالسي أيضاً بإسناد جيد.
جواز صلاة الفريضة في داخل الكعبة:مضاعفة الحسنات عامة في الحرم
ذكر ابن حجر في شرح حديث ابن عمر: وفيه استحباب الصلاة في الكعبة، وهو ظاهر في النفل، ويلتحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم وهو قول الجمهور.
وعن ابن عباس: لا تصح الصلاة داخلها مطلقاً، وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها، فيحمل على استقبال جميعها( ).
وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري وقال المازري: المشهور في المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة.
وعن ابن عبد الحكم الإجزاء، وصححه ابن عبد البر وابن العربي وأطلق الترمذي عن مالك جواز النفل وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب وما تشرع فيه الجماعة( ).
فتح مكة كان خضوعاً للعرب كلهم روى البخاري... عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا نلقاه فنسأله، قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بما ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم، ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحي إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذاك الكلام فكأنما يقر في صدري وكانت العرب تلوم( ) بإسلامهم الفتح، فيقولون: أتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق.
فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم، قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا. وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً فنظروا. فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي، ألا تغطون عنا أست قارئكم، فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص( ).