بوابة الحرمين الشريفين

معالم من المسجد النبوي
الأساطين المشهورة

 

الأساطين جمع اسطوانة وهي العمود والسارية التي يقوم عليها البناء، وأساطين المسجد النبوي الشريف في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، كانت من جذوع النخل وإذا أطلق اسم على سارية فالمقصود العمود الذي حل مكانها.  فقد تحرى الذين وسعوا المسجد النبوي الشريف أن يحافظوا على أماكن هذه الأساطين، فيضع كل عمود في المكان الذي كانت فيه الأسطوانة  أو السارية على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الأساطين التي نشاهدها في المسجد النبوي الشريف في القسم القبلي منه أقيمت في عمارة السلطان عبد المجيد، وقد اشتهر من هذه الأساطين ثمان، كان لها حظ وافر على باقي الأساطين لما لها من مميزات لم تكن لغيرها، وتلك الأساطين هي :
1-الأسطوانة  المخلقة أو علم مصلى النبي صلى الله عليه وسلم.
2-أسطوانة القرعة أو أسطوانة عائشة.
3-أسطوانة التوبة أو أسطوانة أبي لبابة.
4-أسطوانة السرير.
5-أسطوانة المحرس.
6-أسطوانة الوفود.
7-أسطوانة مربعة القبر.
8-أسطوانة التهجد.
ولهذه التسمية لتلك الأساطين مناسبة حظيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصيب نذكرها هنا للفائدة بإيجاز.
أولاً: الأسطوانة  المخلقة
وتسمى أيضاً (علم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومعنى المخلقة المطيبة أو المعطرة، من الخلوق وهو الطيب، روي أن عثمان بن مظعون : تفل في المسجد فأصبح مكتئباً، فقالت له زوجته: مالي أراك مكتئباً؟ فقال : لاشيء إلاّ إني تفلت في القبلة وأنا أصلي، فعمدت (أي زوجته) إلى القبلة فغسلتها، ثم خلقتها،-أي طيبتها- فكانت أول من خلَّق القبلة.
وقال جابر بن عبدالله كان أول من خلَّق المسجد عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم لما حجت الخيزران في سنة سبعين للهجرة أمرت بالمسجد أن يخلق، فتولت تخليقه خازنتها -مؤنسة - فخلقته جميعه حتى الحجرة النبوية الشريفة،
وروى السمهودي عن ابن زبالة "أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى إليها المكتوبة بضعة عشر يوماً بعد أن حولت القبلة".
وكان سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه – يتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة، ولما سئل قال: "إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها". قال مالك أحب مواضع التنقل في مسجده صلى الله عليه وسلم حيث العمود المخلق وأما الفريضة ففي أول الصفوف.
وقد جرى تقديم هذه الأسطوانة  لجهة القبلة قليلاً، وإدخال بعضها في المحراب النبوي الشريف، وكتب عليها الأسطوانة  المخلقة.
ثانياً :أسطوانة القرعة
وهي الثالثة من المنبر والثالثة من القبر والثالثة من القبلة، وتعرف بالأسطوانة  المخلقة أيضاً، وبأسطوانة السيدة عائشة رضي الله عنها، وبأسطوانة المهاجرين.
·    فأما تسميتها بأسطوانة (القرعة) فلما رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في المسجد لبقعة قبل هذه الأسطوانة لو يعلم الناس لاستهموا عليها، فنظروا فإذا عندها جماعة من الصحابة وأبناء المهاجرين، أي وهي أسطوانة القرعة".
·    وإما تسميتها بأسطوانة عائشة فلما روى أن عائشة – رضي الله عنها – أخبرت عبدالله بن الزبير بفضل تلك الأسطوانة فقام فصلى عندها فظن الناس أن عائشة أخبرته أنها تلك الأسطوانة  فسميت أسطوانة عائشة.
·    وأما تسميتها بأسطوانة المهاجرين، فلأن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها، وكان يقال لذلك المجلس مجلس المهاجرين، ويذكر السمهودي عن زيد بن أسلم انه قال : "رأيت عند تلك الأسطوانة  موضع جبهة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رأيت دونه موضع جبهة أبي بكر ثم رأيت دون موضع جبهة أبي بكر موضع جبهة عمر، ويقال : إن الدعاء عندها مستجاب.
ثالثاً : أسطوانة التوبة
وهي الأسطوانة الرابعة من المنبر، والثانية من القبر، والثالثة من القبلة، وتعرف بأسطوانة أبي لبابة وهو رفاعة بن عبد المنذر رضي الله عنه وهو أحد النقباء، وسميت بذلك لأن أبا لبابة لما استشاره بنو قريظة – وكان حليفاً لهم أينزلون على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نعم وأشار بيده الى حلقه-يعني الذبح- قال أبو لبابة: فو الله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ونزل فيه قول الحق سبحانه وتعالى: ( يأيها الذين ءامنو لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمنتكم وانتم تعلمون) سورة الأنفال آية(27)  ولم يرجع الى النبي صلى الله عليه وسلم، بل ذهب الى المسجد، وربط نفسه في جذع في موضع أسطوانة التوبة-الآن- وحلف لا يحل نفسه ولا يحله أحد حتى يحله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تنزل توبته، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره قال : أما لو جاءني لاستغفرت الله له، فأما إذ فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه، فأنزل الله توبته على رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرا ًفي بيت أم سلمة رضي الله عنها، فسمعته صلى الله عليه وسلم يضحك، فقالت: مايضحكك، أضحك الله سنك؟ قال: تيب على أبي لبابة، قالت ألا أبشره بذلك يا رسول الله؟ قال بلى إن شئت. فقامت على باب حجرتها-قبل أن يضرب عليهن الحجاب- فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك فعندئذ أراد المسلمون أن يطلقوه قال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه ولهذا سميت أسطوانة التوبة.
رابعاً: أسطوانة السرير
وتقع شرقي أسطوانة التوبة وتلتصق بالشباك المطل على الروضة الشريفة.  وهي محل اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان له صلى الله عليه وسلم سرير من جريد النخل، وكان يوضع عند هذه السارية، كذلك كانت له صلى الله عليه وسلم وسادة تطرح له، فكان صلى الله عليه وسلم يضطجع على سريره عند هذه الأسطوانة.
وورد أنه صلى الله عليه وسلم، كان يوضع له السرير عند أسطوانة التوبة، حتى قال البدر بن فرحون ( بأن أسطوانة السرير هي أسطوانة التوبة) ويبدو أن السرير كان يوضع مرة عند أسطوانة التوبة ومرة عند أسطوانة السرير.  روى البدر بن فرحون عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا اعتكف يطرح له وسادة، ويوضع له سرير من جريد فيه سعفه، يوضع له فيما بين الأسطوانة  التي وجاه القبر الشريف وبين القناديل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع عليه ".
خامساً : أسطوانة المحرس
وتقع خلف أسطوانة السرير من جهة الشمال: وهي مقابل الخوخة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج منها إذا كان في بيت عائشة رضي الله عنها إلى الروضة الشريفة للصلاة، كما تسمى بأسطوانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه كان يجلس عندها يحرس النبي صلى الله عليه وسلم.
 
سادساً : أسطوانة الوفود
وتقع خلف أسطوانة المحرس من جهة الشمال، وكان صلى الله عليه وسلم يجلس إليها ليقابل وفود العرب القادمين عليه، وكانت تعرف أيضاً بمجلس القلادة يجلس إليها سروات الصحابة وأفاضلهم رضوان الله عليهم.
سابعاً : أسطوانة مربعة القبر
وتقع في حائز عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه عند منحرف الجدار الغربي منه الى الشمال، في صف أسطوانة الوفود، ومعنى هذا أنها تكون داخل الجدار المحيط بالقبر الشريف، ولا يتمكن الزائر للمسجد النبوي الشريف من رؤيتها يقول السمهودي: وقد حُرِم الناس الصلاة الى هذه الأسطوانة  لإدارة الشباك الدائر على الحجرة الشريفة وغلق بابه.
كما تعرف أيضاً بأسطوانة مقام جبريل عليه السلام وبها باب بيت فاطمة بنت رسول الله عليه وسلم الذي كان يدخل منه علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ثامناً : أسطوانة التهجد
وتقع وراء بيت السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، من جهة الشمال، وعندها محراب صغير إذا توجه الواقف إليه تكون السارية-الأسطوانة-عن يساره، باتجاه باب جبريل عليه السلام، المعروف قديماً بباب عثمان رضي الله عنه، وقد كتب فيها على رخام (هذا متهجد النبي صلى الله عليه وسلم).
وذكر السمهودي ما يدل على أفضلية الصلاة عند هذه الأسطوانة حيث يقول: قال عيسى: وحدثني سعيد بن عبدالله بن فضيل قال: "مرَّبي محمد بن الحنفية وأنا أصلي إليها، فقال لي: أراك تلزم هذه الأسطوانة، هل جاءك فيها أثر ؟ قلت: لا، قال: فالزمها فإنها كانت مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل".
(عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ ص68-73؛ لناجي بن محمد حسن عبد القادر الأنصاري، مراجعة وتقديم فضيلة الشيخ: عطية بن محمد سالم، الطبعة الأولى 1416هـ/1996م).