بوابة الحرمين الشريفين
أسماء الحرمين الشريفين
مكة المكرمة وأسماؤها وما ترمز إليه في اللغات السامية

مكة المكرمة وأسماؤها وما ترمز إليه في اللغات السامية
محمد خليفة حسن
كلية الآداب - جامعة القاهرة
مقدمة:
تعددت أسماء مكة المكرمة، وقد زادت أسماؤها عن ثلاثين اسماً تعبر عن أوصاف وأحوال مختلفة، وقد ورد بعض هذه الأسماء في القرآن الكريم، ومن أهمها مكة، وبكة، وأم القرى، والبلد الأمين، وقد شرحت هذه الأسماء عند المفسرين فاصطلح على أن التسمية مكة تعني التي تمك الجبارين أي تدكهم وتحطمهم، أو أنها سميت بذلك لازدحام الناس فيها، كما شرحت التسمية بكة بشروح شبيهة بمعنى التهشيم والقهر، وأن التسمية أم القرى نشير إلى الزعامة والقيادة، والقداسة، فهي أعظم كل القرى، أما صفة البلد الأمين فتشير إلى أن من دخله كان آمناً وأن أهلها آمنون على مدى التاريخ، وقد أخذت هذه المعاني المختلفة لأسماء مكة من المعجم العربي باعتبار أن أسماء مكة المختلفة أسماء عربية وبخاصة مكة وبكة وبقية الأسماء هي صفات أو ألقاب لمكة المكرمة.
وقد اعتقد بعض الدارسين أن الاسمين مكة وبكة يعودان من الناحية اللغوية إلى أصول بابلية أو عربية جنوبية، أو إلى أصول آرامية.
وفي هذا البحث محاولة لتأصيل الاسمين مكة وبكة تأصيلاً عربياً وسامياً من خلال العودة إلى مجموعة من المعاجم العربية والسامية للتعرف على الدلالات المختلفة لهذين الاسمين، والتأكد من الجذور العربية والسامية التي من الممكن أن يكون الاسمان مشتقين منها، وتحديد المعاني المعطاة لهذه الجذور، والاستقرار على أنسب الدلالات مع إعطاء النظائر السامية للجذور العربية مع الابتعاد عن تحديد لغة سامية بعينها لكي تكون أصلاً أو مصدراً لأسماء مكة انطلاقاً من القاعدة التي رسمها علماء المعاجم العربية والسامية فيما يتعلق بمسألة التأصيل السامي للألفاظ، وهذه القاعدة تؤكد على تجنب تحديد لغة سامية بعينها لكي تكون أصلاً لجذر بعينه لصعوبة الوصول إلى هذه النتيجة، والاكتفاء بتحديد ما يسمى بالنظائر السامية للجذور والألفاظ العربية.
وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالإشارة وهي أن اللغة العربية احتفظت ببعض الظواهر اللغوية القديمة ، وبأكمل الأبجديات السامية، وتميزت باستمرارها في التاريخ، وعدم انقطاعها بخلاف بقية اللغات السامية التي لم تكتب لها هذه الاستمرارية.
ولهذا اعترف بعض علماء اللغات السامية بقدم اللغة العربية، وبأنها أكثر اللغات السامية استحقاقاً لكي تكون أصلاً لبقية اللغات السامية وأماً لها مستندين في ذلك إلى دليل تاريخي لغوي، فمن الناحية التاريخية تكونت كل الشعوب السامية أصلاً من هجرات عربية خرجت من شبه الجزيرة العربية متجهة إلى مناطق الوديان في الشرق الأدنى القديم مكونة لمجموعة شعوب عربية، تحدثت في البداية بلهجات عربية تطورت إلى لغات مستقلة عن الأصل العربي وهي اللغات الآرامية والعبرية والأكدية والحبشية، ولنا الحق في تسمية هذه اللغات بأسرة اللغات العربية بدلاً من التسمية الاستشراقية (أسرة اللغات السامية).
ومن الناحية اللغوية تشترك هذه اللغات مع اللغة العربية في نحوها، وصرفها، ودلالاتها المعجمية، وأصواتها، ومفرداتها، الأمر الذي يؤكد على عودة هذه اللغات إلى أصل واحد هو الأصل العربي.
وفي دراسة الاسمين مكة وبكة سنبدأ بالبحث عن دلالات جذور هاتين التسميتين في المعاجم العربية المختلفة، ثم نبحث عن دلالات جذور هاتين التسميتين في معاجم اللغات السامية المختلفة، ونقارن حصيلة هذه الدلالات في اللغات السامية الأساسية وهي: الأكدية، والآرامية، والعبرية، والحبشية، والعربية الجنوبية، والسريانية ونقابلها بالدلالات الموجودة في المعاجم العربية للوصول إلى تحديد دقيق لمعاني التسميتين مكة وبكة.

المبحث الأول: أسماء مكة
أولاً: الاسمان (مكة) و(بكة):
الاسمان (مكة) و(بكة) من أشهر الأسماء التي عرفت بها مكة، وهما أيضاً من أكثر الأسماء التي اختلف العلماء والمفسرون حول تفسير معانيهما.
ومن أهم الآراء في معنى مكة:
1- سميت مكة لأنها تمك الجبارين أي تذهب نخوتهم.
2- سميت مكة لازدحام الناس بها.
3- سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول: (لا يتم حجنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمك فيه أي نصفر صفير المكاء حول الكعبة، وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا بها.
4- سميت مكة لأنها بين جبلين مرتفعين عليها وهي في هبطة بمنزلة المكوك.
5- سميت مكة لأنها عبدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف من قولهم: امتك الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذباً شديداً، فلم يبق فيها شيئاً.
6- سميت مكة لأنها لا يفجر بها أحد إلا بكت عنقه وقد التوت عنقه.
7- سميت مكة من مك الثدي أي مصه لقلة مائها لأنهم كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه.
8- سميت مكة لأنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضرع أمه فلا يبقى فيه شيئاً.
9- سميت مكة لأنها تمك من ظلم أي تنقصه.
ومن أهم الآراء التي قيلت في معنى (بكة):
1- سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.
2- سميت بكة لازدحام الناس بها.
3- بكة اسم لبطن مكة لأنهم يتباكون فيها أي يزدحمون.
4- سميت بكة لأن الأقدام تبك بعضها بعضاً أو لبك الناس بعضهم بعضاً في الطواف.
الآراء التي قيلت في التفرقة بين (مكة) و(بكة):
1- مكة اسم المدينة وبكة اسم البيت.
2- بكة اسم القرية ومكة مغزى بذي طوى لا يراه أحد ممن مر من أهل الشام والعراق واليمن والبصرة، وإنما هي أبيات في أسفل ثنية ذي طوى.
3- بكة موضع البيت وما حول البيت مكة.
4- بكة موضع البيت وموضع القرية مكة.
5- بكة موضع البيت ومكة هو الحرم كله.
6- بكة الكعبة والمسجد ومكة ذو طوى، وهو بطن الوادي المذكور في سورة الفتح
الآراء التي قيلت في ترادف (مكة) و(بكة):
1- اعتبر بعض الدارسين (مكة) وبكة اسمين مترادفين بمعنى أن مكة هي بكة والميم بدل من الباء في مثل قولهم ما هذا بضربة لازب ولازم ومعنى هذا اشتراك مكة وبكة في نفس الدلالات والمعاني.
2- سميت مكة وبكة لازدحام الناس فيها، وفي هذا تخصيص لصفة الازدحام كدلالة مشتركة بين الجذرين مك وبك.
ثانياً: أسماء أخرى لمكة:
ومن الأسماء الأخرى التي أطلقت على مكة الأسماء التالية:
1- أم القرى: وهي تسمية وردت في القرآن الكريم: ((وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)) [الأنعام:92]، وهذا دليل على فضلها على سائر البلاد.
2- البلد الأمين: وهي تسمية وردت في القرآن الكريم: ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)) [التين:1] * ((وَطُورِ سِينِينَ)) [التين:2] * ((وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ)) [التين:3].
3- البلد: وردت هذه التسمية في القرآن الكريم: ((رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ)) [إبراهيم:35]، وفي قوله تعالى: ((لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ)) [البلد:1] * ((وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)) [البلد:2].
4- البيت العتيق: تسمية وردت في القرآن الكريم: ((وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) [الحج:29] لأنه عتق من الجبابرة.
5- البيت الحرام: تسمية وردت في القرآن الكريم: ((جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)) [المائدة:97].
6- النساسة: لأنها لا تقر ظلماً ولا بغياً ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته.
7- الحاطمة: لأنها تحطم من استخف بها.
8- الرأس: لأنها مثل رأس الإنسان.
9- القادس: لأنها تقدس من الذنوب أي تطهر؟
10- الباسة: لأنها تبس أي تحطم الملحدين، وقيل تخرجهم.
11- كوثي: اسم بقعة كانت منزل بني عبد الدار.
12- المذهب: ورد في هذا الاسم في قول بشار بن أبي خازم: وما ضم جياد المصلى ومذهب.
13- المقدسة:
14- الناسة:
15- أم رحم:
16- معاذ:
17- صلاح:
18- الحرم:
19- العرش:

المبحث الثاني: آراء المصادر والمراجع في دلالات (مكة) و(بكة)
قبل أن نعطي دلالات التسميتين (مكة) و(بكة) نستطلع أولاً الآراء التي وردت في المصادر القديمة والمراجع الحديثة حول معنى التسميتين وذلك للحكم على مدى معرفة القدماء والمحدثين بدلالات التسميتين، وتحديد أقرب هذه الآراء إلى الصحة بعد الاسترشاد بما ورد في معاجم اللغة العربية واللغات السامية.
أولاً: آراء المصادر والمراجع حول دلالات (مكة):
يمكن حصر أهم الآراء التي وردت حول دلالات التسمية مكة في المصادر القديمة والمراجع الحديثة فيما يلي:
1- سميت (مكة) لأنها تمك الجبارين والماردين والمعتدين عليها أي تدكهم وتحطمهم..
2- سميت (مكة) لازدحام الناس فيها.
3- سميت (مكة) بمعنى (البيت) ويعتقد أن مكة كلمة بابلية معناها (البيت) وسمته بها العماليق.
4- أن مكة هي بيت الله الحرام فيقال مكة اسم المدينة، ومكة اسم البيت، وقد أخذت مكة اسمها من البيت لأنها قامت حوله.
5- أن مكة بالميم هي اسم الحرم كله، وذلك للتفرقة بين مكة وبكة، حيث تعني (بكة) المسجد خاصة، ويقول الزجاج إن بكة موضع البيت وسائر ما حوله مكة.
6- مكة كلمة يمنية (عربية جنوبية) وتعني بيت ويرد مكرب في لغة اليمن بمعنى بيت الرب، بمعنى أن مكرب اسم مركب من (مك) بمعنى بيت و(رب) بمعنى (رب) أو (إله) فيصبح المعنى بيت الرب أو بيت الإله، وتذكر المصادر أن قبائل الجنوب أول من استعمر هذا الوادي، فالأرجح أن اسمها أخذ من لغة الجنوب. وقد وردت مكة أو مكرب عند بطليموس بمعنى بيت الرب. وذكر بروكلمان أن مكة مأخوذة من كلمة (مقرب) العربية الجنوبية ومعناها (الهيكل) ويذكر بروكلمان أن بطليموس نقل هذا الاسم عن طريق الآراميين حيث يرد في اللهجة الآرامية الشرقية ماكورابا أو ماكارابا.
7- مكة بمعنى (الوادي) وكذلك (بكة) وهذا عند بروكلمان أدل على مركز مكة لأن مكة في واد غير ذي زرع كما ورد أيضاً في القرآن الكريم، ويعطي بروكلمان مثالاً على ذلك الاسم بعلبك بمعنى وادي البعل، وأن ماكورابا أو ماكارابا في اللهجة الآرامية الشرقية تعني (الوادي العظيم) أو (وادي الرب).
ومن المعروف أن وادي مكة كان موئلاً للقوافل القادمة من الشمال والجنوب، وكان هذا الوادي مضرب خيام القوافل في الأوقات التي تفصل فيها القوافل من الشام إلى اليمن، أو من اليمن إلى الشام، وفي قصة هاجر مع ابنها إسماعيل أنها نزلت هذا الوادي تبحث عن الماء وبعد تفجر مياه بئر زمزم بدأت القبائل العربية تتجه للإقامة على مقربة من البئر التي جعلت الحياة ممكنة في هذا الوادي الأجرد، وشيد إسماعيل البيت الحرام الذي قامت مكة بعد ذلك من حوله، وهو الوادي الذي به مكة حتى اليوم، وكانت قبيلة جرهم أولى القبائل التي أقامت في مكة بعد تفجر بئر زمزم، ويقال أيضا أن العمالقة كانوا أول من سكنها.
ثانياً: آراء المصادر، والمراجع حول دلالات:
ويمكن حصر أهم الآراء الخاصة بدلالات (بكة) فيما يلي:
1- ورد في بعض المصادر أن بكة هي مكة في لغة الجنوب، وذلك بقلب الميم إلى باء على عادة أهل الجنوب.
2- أن بكة تعني الوادي، وأن مكة لغة أخرى بنفس المعنى، ويستشهد على هذا المعنى بالاسم (بعلبك) ومعناه: وادي البعل. وأن مكة تعني الوادي، ويستشهد على ذلك بالاسم ماكورابا أو ماكارابا بمعنى: (الوادي العظيم) أو (وادي الرب) في اللهجة الآرامية الشرقية، وهو الاسم الذي استخدمه بطليموس الإسكندري في المصادر اليونانية والرومانية وربما نقلاً عن المصادر الآرامية.
3- أنها سميت (بكة) من البك أي التهشيم والتمزيق والقهر والإجهاد.
4- أن بكة كلمة بابلية بمعنى البيت، أطلقها العماليق عليها. 5- سميت بكة لبك الناس بعضهم بعضاً في الطواف.
6- سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة.
7- أن بكة اسم لبطن مكة لأنهم يتباكون فيها أي يزدحمون.
ومن هذا نخرج بالنتيجة التالية وهي أن المصادر اعتبرت (بكة) إما كلمة عربية من البك بمعنى التهشيم، أو عربية جنوبية تقابل مكة بقلب الميم إلى باء، أو آرامية شرقية بمعنى (الوادي) أو أن بكة كلمة بابلية بمعنى البيت.
ثالثاً: التفرقة بين (مكة) و(بكة):
لاحظنا أنه في الوقت الذي اعتبرت فيه العديد من المصادر (بكة) لغة في (مكة) وأن (مكة) و(بكة) اسمان لمكان واحد، نجد اتجاهاً في بعض المصادر الأخرى إلى التفرقة بين مكة وبكة باعتبارهما حاملتين لدلالات مختلفة، ومن أهم وجوه التفرقة بين مكة وبكة:
1- أن مكة بالميم تعني الحرم كله، بينما بكة بالباء تعني المسجد فقط.
2- أن بكة السم آخر لمكة مختلف في الدلالة حيث يعني التهشيم.
3- أن بكة تعني (البيت) في البابلية وربما يصبح معنى الأثر (أنا الله ذو بكة الحرام) أي صاحب البيت الحرام، كما ورد في بعض الآثار التاريخية. وبكة تسمية أطلقها العمالقة عليها.
4- أن (بكة) موضع البيت، وسائر ما حوله (مكة).

المبحث الثالث: مكة وبكة في المعاجم العربية
بعد إعطاء الدلالات التي وردت للتسميتين مكة وبكة في المصادر القديمة والمراجع الحديثة، تنتقل إلى الجزء الثاني من هذا البحث وهو الخاص بتحديد دلالات مكة وبكة في معاجم اللغة العربية، وفي المعاجم السامية، وبخاصة المعاجم الآرامية والعبرية والحبشية والأكادية والعربية الجنوبية. أولاً: دلالات مكة وبكة في المعاجم العربية:
1- دلالات مكة:
وردت في المعجم العربي عدة مواد أو جذور يجب مراجعة دلالاتها الأساسية والفرعية في محاولة لتحديد دلالة التسمية مكة، ومن هذه المواد: م ك ك، م ك ا، ومع الأخذ في الاعتبار الصلة الصوتية بين صوتي الكاف والقاف فهناك بعض المواد ذات الصلة مثل: م ق ق، م ق ا، م ق هـ.
وفيما يلي دلالات كل جذر من هذه الجذور.
أ- الجذر م ك ك:
يأتي الجذر مك ومن استخداماته:
- مك العظم مكاً: مص جميع ما فيه.
- مك غريمه: ألح عليه في الاقتضاء.
- ومك الشيء: نقصه أو أهلكه.
وتدور معظم الاشتقاقات من هذا الجذر حول هذه المعاني مثل، مكك على غريمه أي مك وامتك العظم أي مكه، تمكك بمعنى امتك والمكاك المخ الممصوص، واللبن الممصوص والمكاكة أي المكاك، والمكوك) طاس يشرب به أعلاه ضيق وسطه واسع، ومكيال قديم. ويرد أيضاً مكمك بمعنى تدحرج في المشي، ومكمك العظم: مص جميع ما فيه.
ب- الجذر م ك ا:
- مكا مكاء ومكواً: صفر بفيه أو شبك بأصابع يديه ثم أدخلها في فيه ونفخ فيها، ويقال مكا الطائر. وفي القرآن الكريم ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)) [الأنفال:35].
- تمكى الغلام: تطهر للصلاة، وتمكى الفرس: ابتل بالعرق، ومنه المكا: جحر الثعلب والأرنب.
ومن الجذور القريبة صوتياً:
أ- الجذر م ق ق:
- مق الشيء مقا: فتحه، والعين: قلعها
- مق الرجل أو الفرس مققاً: كان فاحش الطول في دقة.
- ومق ما بين الشيئين: بعد ما بينهما.
- وبلد أمق: بعيد الأطراف.
- وأرض مقاء: بعيد الأرجاء أو بعيدة ما بين الطرفين.
- ومقق على عياله: ضيق عليهم، ومقق الطائر فرخه: أطعمه.
- ومنه امتق الفصيل ما في الضرع: شربه كله.
- تمقق الشيء: طال وتباعد.
- تمقق ما في العظم: استخرجه، والشراب: شربه شيئاً بعد شيء - مقمق الشيء: ذلله.
ب- الجذر م ق هـ:
- الأمقة: المكان القفر لا ينبت فيه شجر، والأمقه من الناس: الذي يهيم على وجهه لا يدري أين يتوجه.
ج- الجذر: م ق ا:
- مقا السيف مقواً: جلاه، ويقال مقا الفصيل أمة: رضعها رضعاً شديداً.
وخلاصة المعاني التي تدور حولها هذه الجذور السابقة:
2- دلالات بكة في المعجم العربي:
وردت في المعجم العربي عدة مواد أو جذور يجب مراجعتها فيما يتعلق بالاسم (بكة) للتعرف على الدلالات الأساسية والفرعية لهذه المواد:
أ- المادة: ب ك ا:
- بكأت البئر: قل ماؤها
- وبكأ الحيوان الحلوب: قل لبنه
- بكؤ الرجل: قل كلامه
- وأبكأ فلان: قل خيره.
ب- المادة: ب ك ب ك:
- بكبك الشيء: هزه وطرح بعضه على بعض.
- والبكبكة: المجيء والذهاب، والبكبكة (الازدحام).
ج- المادة: ب ك ك:
- بك الشيء بكا وبكة: هشمه ومزقه
- ويقال بك عنقه: كسره
- وبك الرجل: قهره وكسره من نخوته
- وبك الرجل: زحمه
- وبك الدابة: أثقل حملها وجهدها في السير.
- ويرد أيضاً تباك الجمع: زحم بعضهم بعضاً
د- المادة: ب ق ق:
- بق الرجل بقاً: أكثر القول في صواب أو خطأ.
- وبقت المرأة: كثر ولدها
- وبقت السماء: أمطرت بشدة
- وبق الكلام: لفظه بقوة
- وبق الخبر: أذاعه
- وبق المال: فرقه.
- ومنه البق: الواسع العريض، الواضح.
ثانياً: دلالات (الباسة) و(البساسة) في المعجم العربي: الباسة والبساسة اسمان من الأسماء التي أطلقت على مكة، وتم تعليل معنى الباسة لأنها تبس أي تحطم الملحدين وقيل تخرجهم.
وبالرجوع إلى المعجم العربي مادة (ب س س) اتضح أن معاني بس هي على النحو التالي:
بس الرجل بسا: طلب وجهد، بس الشيء: فتته، وقد ورد في القرآن الكريم: ((وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا)) [الواقعة:5]، وبس الشيء فرقه وأذهب منه شيئاً، وبس الرجل: طرده ونحاه، وانبس الماء: تفرق.
ومن خلال هذه الدلالات للمادة بس يتضح أن الباسة والبساسة كاسمين لمكة يشيران إلى صفتها كمفتتة، ومفرقة، وطاردة للملحدين، ومحطمة لهم.
وتشير بعض المصادر إلى أن كلمة (بس) تعني بيت أو هي علم على البيت الذي بنته غطفان للعزي، وقد ورد في معجم البلدان لياقوت بسا وهو بيت بنته غطفان، وسمته بسا مضاهاة للكعبة، وقد أخذت هذه التسمية من قولهم (لا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقة) وهو طوفانه حولها ليحلبها وهو يشير إلى استحلاب الرزق في الطواف حوله.


ويقال أن (بس) ليس بيتاً ولكنه ماء ورد فيه شعر. وقد ذكر الأصفهاني في كتابه الأغاني أن (بس) بناء بنته غطفان شبهوه بالكعبة وكانوا يحجون إليه ويعظمونه ويسمونه حرماً.
ونصل من هذا إلى نتيجة مهمة وهي أن الباسة والبساسة من الأسماء التي أطلقت على مكة، وأن (بس) بيت بنته غطفان للعزى أو أنه ماء وأنها لا تعني بيت بشكل مطلق.
ثالثاً: دلالات (الناسة) و(النساسة) في المعجم العربي:
الناسة والنساسة اسمان من أسماء مكة، ومن دلالات المادة (ن س س) في المعجم العربي: نس الشيء: يبس، نس فلان: اشتد عطشه، نس الدابة: ساقها وزجرها، وأنس الشيء: بلغ غاية الجهد، ومنه المنسوس: المطرود.
ومن هذه الدلالات يتضح أن معنى الناسة والنساسة: الطاردة والزاجرة، وهي من الدلالات المشتركة مع مادة (بس).
رابعاً: أسماء مكة في المعاجم العربية: نتائج نهائية:
من هذا العرض السابق لأسماء مكة في المعاجم العربية نخرج بالنتائج المهمة التالية في تحديد دلالات أسماء مكة:
1- اشتقاق مكة من الجذر (م ك ك) يعطي مكة عدة دلالات:
أ- لأنها تهلك الجبارين وتضعفهم، وذلك من مك الشيء أهلكه ونقصه. وقد ذكر هذا المعنى أبو بكر بن الأنباري في قوله (سميت مكة لأنها تمك الجبارين أي تذهب نخوتهم).
ب- سميت مكة لأنها تمك الذنوب، أي تذهب بها، وهذه الدلالة مأخوذة من مك الفصل ضرع أمه فلم يبق فيه شيئاً، ومك الشيء نقصه.
ج- سميت مكة من مك بمعنى امتص أو مص لأن أهل مكة كانوا يمتكون الماء أي يستخرجونه وذلك لقلته، وهذه الدلالة مأخوذة من مك الثدي أي مصه، ومك العظم: مص جميع ما فيه.
د- لأنها بين جبلين مرتفعين عليها، فهي في هبطة بمنزلة المكوك، والمكوك طاس يشرب به، أعلاه ضيق، ووسطه واسع.
5- اشتقاق مكة من امتك، فقد (امتكت الناس أي جذبتهم من جميع الأطراف). وقد أخذت هذه الدلالة من امتك الفصيل ما في ضرع أمه أي استقصاه بالمص.
2- اشتقاق مكة من الجذر (م ك ا) يعطي اسم مكة الدلالات التالية:
أ- سميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تمك في مكان الكعبة لأنها كانت تقول لا يتم حجنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمك فيه أي نصفر صفير المكاء حول الكعبة، فكانوا يصفرون ويصفقون. وقد اشتقت هذه الدلالة من الجذر مكا مكاء أي صفر بفيه أو شبك أصابع يديه ثم أدخلها في فيه ونفخ فيها. وقد ورد في هذا المعنى قوله تعالى: ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)) [الأنفال:35]. وقد سمى طائر المكاء بذلك لأنه يجمع يديه ثم يصفر فيهما صفيراً حسنا. ويقال مكا الطائر أي صفر.
ب- سميت مكة من التطهر للصلاة، ففي المعجم: تمكى الغلام أي تطهر للصلاة، وتمكى الفرس أي ابتل بالعرق.
3- اشتقاق اسم مكة من الجذر (م ق ق):
يعطي اشتقاق اسم مكة من الجذر (م ق ق) الدلالات المقترحة التالية.
أ- يشترك الجثت (م ق ق) مع الجذر (م ك ك) في بعض الدلالات، مثل: امتق الفصيل ما في الضرع: شربه كله، وهي نفس دلالة امتك في امتك الفصيل ما في ضرع أمه أي استقصاه بالمص. ويرد: تمقق ما في العظم: استخرجه، وهو قريب من دلالة امتك العظم، وقريب من الناحية الصوتية من تمكك بمعنى امتك. وبالتالي ينطبق على اسم مكة هذه الدلالة المشتركة بين الجذرين (م ك ك) و(م ق ق).
ب- يختص الجذر (م ق ق) ببعض الدلالات الخاصة التي لا يشترك فيها مع الجذر (م ك ك)، ومن أهم هذه الدلالات الخاصة:
- دلالة مق على الفتح في مق الشيء فتحه، ومق العين قلعها، ومق ما بين الشيئين أي بعد ما بينها، ومنه أرض مقاء: بعيدة الأرجاء أو بعيدة ما بين الطرفين، وبلد أمق: بعيد الأطراف، وتمقق الشيء: طال وابتعد.
- دلالة التضييق في مقق بمعنى ضيق مثل مقق على عياله أي ضيق عليهم.
- دلالة الإطعام في مثل مقق الطائر فرخه أي أطعمه.
وقد اجتمع في هذه الدلالات صفات الفتح وبعد الأرجاء، والتضييق، والإطعام، وصفة الفتح تقترب من دلالة الإهلاك والإضعاف، والإنقاص التي احتواها الجذر (م ك ك). صفة بعد الأرجاء قد تنطبق على الطبيعة الجغرافية لمكة من حيث أنها ممتدة ومتباعدة الأطراف بسبب طبيعتها الجبلية، وصفة التضييق قد تنطبق على الطبيعة الجغرافية لمكة من حيث أن جبالها تضيق على أهلها في حركتهم وحياتهم. وصفة الإطعام تنطبق على مكة أيضاً حيث أنها اهتمت بإطعام الحجيج فكأنها مثل الطائر الذي يمقق فرخه أي يطعمه.
4- اشتقاق اسم مكة من الجذر (م ق ا) يعطي الدلالة التالية المشتركة مع إحدى دلالات الجذر (م ك ك) والجذر (م ق ق) وهي مقا بمعنى رضع رضعا شديداً كما في: مقا الفصيل أمه أي رضعها رضعاً شديداً.
5- اشتقاق اسم مكة من الجذر (م ق هـ) يعطي دلالة جديدة حيث ورد من مشتقات هذا الجذر كلمة الأمقة، وهو المكان القفر لا ينبت فيه شجر، وكذلك الأمقه من الناس، وهو الذي يهيم على وجهه لا يدري أين يتوجه. وربما يتفق الوصف الأول مع صفة المكان الذي نزل فيه إبراهيم عليه السلام مع زوجته هاجر وابنه إسماعيل، وهو المكان الذي وصفه القرآن الكريم بقوله: ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)) [إبراهيم:37].
أما الوصف الثاني فربما يتفق مع حالة هاجر أم إسماعيل وهي تبحث عن الماء لابنها حيث كانت لا تدري إلى أين تتجه.
6- اشتقاق اسم بكة من الجذر (ب ك ك) يعطي الدلالات التالية:
أ- أن اسم بكة يدل على التهشيم، والتمزيق، والكسر كما ورد في بك الشيء بكا، وبكة بمعنى: هشمه ومزقه، وكما ورد في بك عنقه أي كسره. ويصبح معنى بكة هنا المهشمة، والممزقة، والكاسرة.
ب- أن اسم بكة تدل على القهر وكسر النخوة كما ورد في بك الرجل أي: قهره وكسره من نخوته، كما في بك عنقه بمعنى كسره. إشارة إلى الكسر المعنوي والمادي معاً، ويصبح معنى بكة القاهرة والكاسرة للنخوة.
ج- أن اسم بكة يدل على الزحام والازدحام كما ورد في بك الرجل: زحمه، وكما ورد في تباك الجمع: زحم بعضهم بعضاً. وورد البكبكة بمعنى: الازدحام. وبمعنى: المجيء والذهاب. ويصبح معنى بكة هنا المزدحمة والمثقلة وربما كان في البكبكة بمعنى المجيء والذهاب إشارة إلى حالة هاجر وهي تبحث عن الماء بين المجيء والذهاب سعياً وراء الماء.
د- أن اسم بكة يدل على الثقل والجهد كما في: بك الدابة أي أثقل حملها وجهدها في السير.
7- أن اشتقاق اسم بكة من الجذر (ب ق ق) يعطي الدلالات التالية:
أ- الكثرة والشدة كما ورد في بقت المرأة: كثر ولدها، وبقت السماء: أمطرت بغزارة وشدة، وبق الرجل: أكثر القول، وبق الكلام: لفظه بقوة، وبث الخبر: أذاعه، وبق المال: فرقه. والبق الواسع العريض. ويصبح معنى بكة هنا يدور حول الكثرة،والقوة، والشدة، والتفتيت، والتجزئة، والنشر والاتساع.
8- أن تسمية مكة بالباسة والبساسة يعطي الدلالات المرتبطة بالتفتيت، والتفريق، والتحطيم، والطرد، فيكون معنى الباسة والبساسة كاسم لمكة:
المحطمة، والمفرقة، والطاردة، والمفتتة، وهي دلالات قريبة من معاني مكة وبكة المرتبطة بالتحطيم والتهشيم.
9- أن تسمية مكة بالناسة أو النساسة يعطي الدلالات المرتبطة بالطرد، والزجر، والجهد، واشتداد العطش، واليبس. وبعض هذه الدلالات مشترك مع دلالات الباسة والبساسة، ومشترك أيضاً مع بعض دلالات مك وبك.

المبحث الرابع:
دلالات أسماء مكة في المعاجم السامية
ورد في بعض المصادر أن الاسمين مكة وبكة مأخوذان من بعض اللغات السامية، ودخلتا في اللغة العربية، ومن أهم هذه الآراء ما يلي:
1- ورد اسم مكة في جغرافية بطليموس في صيغة ماكورابا Macoraba القريبة من صيغة مكرب عند السبئيين. ويرجح أن يكون معناها المقرب إلى الله.
2- ذكر بروكلمان أن مكة مشتقة من مكرب أو مقرب العربية الجنوبية ومعناها عنده الهيكل ويعتقد أحد الدارسين أن اسم مكة كان مكرب بمعنى مقدس قبل أن يصبح مكة.
3- ذكر جورجي زيدان أن مكة مشتقة من مك في البابلية بمعنى (البيت).
وللبحث عن حقيقة هذه الآراء لابد من الرجوع إلى بعض المعاجم السامية للبحث عن دلالات هذه التسميات، وعلاقاتها بالدلالات العربية الخالصة لأسماء مكة المكرمة، ومحاولة الوصول إلى تحديد دقيق لأصل التسمية مكة وبكة وغيرهما. وهل هي تسميات عربية خالصة، أمن أنها تسميات سامة؟ وما هو الدليل على ساميتها. وسيتم ذلك كله في ضوء المعرفة المتاحة عن اللغات السامية، وفي ضوء علاقة اللغة العربية باللغات السامية، وفي ضوء معطيات التاريخ العربي القديم في علاقته بتاريخ الشعوب السامية القديمة وكذلك داخل إطار ما يعرف بالدخيل السامي في اللغة العربية. وقد اخترنا اللغات السامية التالية وهي العبرية والسريانية والحبشية والعربية الجنوبية والبابلية (الأكادية).
أولاً: التسمية (مكة) في المعجم العبري:
يجب أن نشير في البداية إلى أن اسم مكة يرد في المعجم العبري كاسم علم على مدينة هي مكة المكرمة، والكلمة كاسم علم ليس لها تأصيل عبري. ولم يهتم أحد علماء العبرية يبحث دلالاتها على مستوى اللغة العبرية.
ونظراً لاشتراك اللغة العبرية مع اللغة العربية في العديد من المواد والجذور التي تندرج تحت إطار المشترك السامي فإن البحث عن معنى التسمية (مكة) يتم هنا داخل إطار التأصيل السامي الذي يهتم بتحديد النظائر السامية وذلك من خلال البحث عن الجذور المشتركة.
وقد تم تحديد الجذور العربية التي يمكن اشتقاق الاسم مكة وبكة وغيرهما منها، وهي الجذور (م ك ك)، (م ق ق)، (ب ك ك)، (ب ق ق) وغيرها. ومهمتنا الآن البحث عن هذه الجذور في المعجم العبري، وتحديد دلالاتها المختلفة، والترف على الدلالات المشتركة بين اللغتين العبرية والعربية، والدلالات غير المشتركة والتي تخص كل لغة على حدة.
1- الجذر [[رمز الجذر]] makhakh ماخخ:
الجذر [[رمز الجذر]] (ماخخ) يقابل الجذر (م ك ك) أو مك في اللغة العربية، والمضارع منه [[رمز الجذر]] (يمخ) الذي يقابل (يمك) في العربية، وتقترب دلالات (ماخخ) من دلالات الفعل العربي مك حيث يعني الفعل العبري: تحطم، ضعف، تحلل، خضع، ذل، ذاب، افتقر، اخترق، هلك، احتقر.
وقد رأينا أن مك في المعجم العربي أتت بمعنى أهلك، نقص، مص، حطم، فتح، قلع.
2- الجذر العبري [[رمز الجذر]] (موخ) [[رمز الجذر]] (ما أخ):
ومن دلالات هذا الجذر العبري: اخترق، افتقز. ومن استخداماته في العهد القديم: اللاويون 25: 25، 35، 39، 47.
3- الاسم [[كتابة عبرية]] (مكا(makkah:
وهو اسم مفرد مؤنث مشتق من الفعل الماضي [[كتابة عبرية]] (ناخا) ويشبه في نطقه صوتياً الاسم مكة وهو ينتهي بالهاء. وإلى جانت التشابه الصوتي هناك تشابه في الدلالة، فالاسم المؤنث العبري [[كتابة عبرية]] مكا يعني: ضربة، اختراق، طعن، مدقوق، ذبح، قتل.
وفي المعجم العبري الحديث يأتي الفعل العبري [[كتابة عبرية]] مكا makkah يحمل الدلالات: ضرب، قهر، هزم، جرح، طعن، والاسم [[كتابة عبرية]] مكا: ضربة، لطمة، إصابة، جرح، انحدار، ضائقة، وباء.
4- الجذر العبري [[كتابة عبرية]] (ماقق) يقابل الجذر (م ق ق) في العربية: ويحمل الجذر [[كتابة عبرية]] بعض الدلالات المشتركة مع الجذر [[كتابة عبرية]] (ماخخ)، ومن هذه الدلالات: ذاب، اخترق، تحلل، وبعض هذه الدلالات مشتركة مع الجذر العربي مق، ومن هذه الدلالات: اخترق، تحلل.
ثانياً: التسمية (بكة) في المعجم العربي:
أ- الجذران [[كتابة عبرية]] (باخا) [[كتابة عبرية]] (باخا): ورد في معجم جيزنيوس الجذر (باخا) وهو جذر غير مستخدم ومعناه: يسقط نقطة نقطة، ويقابل في العربية بكأ بمعنى: يصب نقطة نقطة، أما الجذر المستخدم فهو [[كتابة عبرية]] (باخا) ومعناه بكى، أدرف الدموع.
ومن الجذر الأول [[كتابة عبرية]] يأتي الاسم [[كتابة عبرية]] (باخا) بمعنى بكاء، رثاء. ويقابله في العربية بكاء، بكاء. ويشير جينزنيوس إلى أن المقطع الأساسي لهذين الجذرين هو [[كتابة عبرية]] (بخ) وهو يعطي صوت نقاط الماء الساقطة. وقد وردت عدة أسماء أماكن بالعبرية استخدم فيها اسم مشتق من هذا الجذر باخا [[كتابة عبرية]] أو [[كتابة عبرية]] (باخا). ومن بينها وادي البكاء [[كتابة عبرية]] (عيمق هباخا) وهو اسم علم على واد في فلسطين، وقد ورد في المزامير (المارين بوادي البكاء يجعلونه ينابيع).
ويرد الاسم [[كتابة عبرية]] (بخائيم) وهو اسم شجرة سميت بذلك الاسم لإسقاطها نقاطاً وكأنها تبكي. ومن أسماء الأماكن الأخرى (بوخيم)، Bochim وهو مكان بالقرب من الجلجال، ومعناها الحرفي بكاؤون. 2- الجذر [[كتابة عبرية]] (باقق) بمعنى صب، أفرغ:
ومن معانيه أيضاً: أخلى أرضاً من السكان، استأصل. ويرد (بوقيق) منتشر، ممتد، وورد اسم العلم [[كتابة عبرية]] (بقى) ويعني (دمار يهوه).
ثالثاً: المعجم السرياني:
اقترح بروكلمان أصلاً آرامياً شرقياً لكلمة ماكورابا التي استخدمها بطليموس للدلالة على مكة، واقترح أن يكون معناها الوادي العظيم أو وادي الرب. وقد ورد في المعاجم الآرامية والسريانية عدة جذور مناظرة للجذور العربية التي منها اشتقت الأسماء مكة وبكة.
1- الجذر [[كتابة عبرية]] (مخ) والجذر [[كتابة عبرية]] (ماخ): ورد الجذر [[كتابة عبرية]] (مخ) بمعنى انبطح، خضع، استسلم، سجد أو ركع، امتد، والمضعف منه [[كتابة عبرية]] (مخخ): اضطجع، خضع، تواضع، ذل، ركع.
2 - الجذر [[كتابة عبرية]] (مخخ) ويقابل مك: وبنفس الدلالات السابقة في [[كتابة عبرية]] مخ وماخ [[كتابة عبرية]].
3- الجذر [[كتابة عبرية]] (فخ) أو (بخ): يحمل الجذر [[كتابة عبرية]] الدلالات التالية: هشم، حطم، كسر، دمر، وهو يقابل بك أو فك في اللغة العربية، والاسم المشتق منه [[كتابة عبرية]] (فخ) معناه: ضربة، لطمة.
4 - الجذر [[كتابة عبرية]] (بخا) بمعنى بكى: ومنه [[كتابة عبرية]] (بخى) بكاء.
5- الجذر [[كتابة عبرية]] (بق) بمعنى تحلل، ذاب، بحث، امتحن، ابتلى: وورد أيضاً [[كتابة عبرية]] (بقبق) بمعنى غلي، بحث عن شيء وهو مرتبك، تحسس وتقابل بكبك في العربية بمعنى: جاء وذهب، والبكبكة: المجيء والذهاب.
6- الجذر [[كتابة عبرية]] (بق) والمضعف منه [[كتابة عبرية]] (بقق) ويحمل الدلالات التالية: يتكلم بدون وضوح، يثرثر، يتكلم بحماقة.
رابعاً: في المعجم الحبشي:
وردت عدة جذور حبشية تعطي دلالات مشتركة مع الجذور العربية التي تمت مناقشتها من قبل وأهم هذه الجذور الحبشية.
1- الجذر [[كتابة عبرية]] (مك) بمعنى: اعتمد على.
2- ورد الجذر [[كتابة عبرية]] (مكوى) بمعنى: حمى، حرس، راقب.
3- ورد الاسم [[كتابة عبرية]] (ماكوتا): هدية، توسل، خضوع، دعاء.
4- ورد الجذر [[كتابة عبرية]] (مكن) بمعنى: قاحل، أجدب، غير مثمر، عاقر، ومنه: [[كتابة عبرية]] (مكان) مجدب، قاحل، بدون زرع، بدون ثمر، عاقر.
5- الجذر [[كتابة عبرية]] (مقق) أو (مق) بمعنى ذاب، فسد.
6- الجذر [[كتابة عبرية]] (بك(Bakka بمعنى: ذبل، اختفى، أصبح بلا جدوى (5(، ومنه [[كتابة عبرية]] (بك) بمعنى: أجدب، أعزب غير مثمر، أعزل، خال، خاو، غير نافع، أصبح عادماً.
ومنه [[كتابة عبرية]] (بك): بدون جدوى، غير نافع، بدون هدف.
وورد أيضاً [[كتابة عبرية]] (بك) و [[كتابة عبرية]] (بوك) بمعنى: جرح، خدش، ويقابله لسلاو بالجذر العربي بك بمعنى كسر، مزق، احتقر.
8- الجذر [[كتابة عبرية]] (بق) بمعنى: كسر، قسم، ويعتقد لسلاو أنه يقابل الجذر العربي بق بمعنى: قسم، انفصل.
9- الجذر [[كتابة عبرية]] (بقو) بمعنى: فصل، قسم، كسر، قطع، فتح، مد.
خامساً: في العربية الجنوبية:
اعتبر بعض الباحثين الاسم ماكورابا Macoraba الوارد في جغرافية بطليموس (القرن الثاني الميلادي) دالاً على مكة، ويشرح جواد على لفظة مكربة (مكربا) بأنها لفظة عربية أصابها بعض التحريف ليناسب النطق اليوناني، أصلها مكربة أي مقربة من التقريب.
ويعتقد جواد علي أن لفظة (مكربة) ليست علماً على مكة ولكنها نعت لها كما في (بيت المقدس) و(القدس) فهما في الأصل نعت للمدينة وتحولا إلى اسمي علم لها. وقد جاء لفظ (مكربة) ليدل على أن مكة مقربة من الآلهة، فهي تقرب الناس إليهم، وهي أيضاً مقدسة وحرام، وقد أشار جواد علي إلى أن حكام سبأ لقبوا بالمكاربة، فقد لقب كل واحد منهم نفسه بلقب مكرب mukarreb لأنه مقرب الناس إلى آلهتهم، وهو أقرب الناس إلى الآلهة، وهو مقدس لنطقه باسم الآلهة، وعلى هذا النحو فسر جواد علي لفظة (مكرب) كعلم على مكة بأنها مقربة من الآلهة. ولا يستبعد جواد علي أن يكون سكان مكة من أصل يمني قديم وربما كانت مكة مستوطنه يمنية على الطريق الممتد من اليمن إلى أعالي الحجاز.
ويرجح بعض الدارسين أن اسم مكة أخذ من لغة الجنوب فمكة أو مكرب كلمة يمنية مكونة من (مك) و(رب)، ومك بمعنى بيت فيصبح معنى مكرب (بيت الرب) أو بيت الإله. ومن هذه الكلمة أخذت (مكة) أو (بكة) بقلب الميم باء على عادة الجنوب. ومعنى هذا أن مكة أو بكة تسمية عربية جنوبية قديمة، ويدلل أصحاب هذا الرأي على ذلك بأن قبائل الجنوب كانت أول من استعمر وادي مكة، وأن قبيلة جرهم اليمنية هي أولى القبائل التي أقامت في مكة بعد تفجر بئر زمزم، وأن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام تزوج فتاة جرهمية ولدت له أولاده.
وقد ورد الاسم (مكي) علماً على بعض الرجال في بعض الكتابات الثمودية ولكن بدون إشارة إلى سبب التسمية.
ضعف الأدلة في كون مكربة اسماً لمكة:
ولا يخلو هذا الرأي الخاص بأن (مكربة) اسم لمكة من وجوه ضعف عديدة، أولها أن المصدر الأول لهذه التسمية مصدر غير عربي وهو جغرافية بطليموس، وليس من المؤكد أن (مكربة) اسم لمكة، لأن هذا الاسم لم يعرف بين العرب في الشمال أو الجنوب كعلم على مكة، ولم يكن معروفاً إلا كاسم لحكام سبأ في عصر المكاربة حيث أطلق على الواحد منهم صفة (مكرب) والأرجح أن معناها المقرب بين الناس والآلهة، وهي وظيفة دينية اكتسبها حكام سبأ الذين جمعوا بين السلطة الدينية والدنيوية، وحكموا الناس باسم الآلهة، وفسرها موسكاتي بمعنى (الكاهن الأكبر.
ومن ناحية أخرى إذا كان الاسم (مكربة) مأخوذ من الجذر (قرب) والمكرب هو المقرب للناس إلى الآلهة، أو مقدم القرابين فلماذا أخذه من العربية الجنوبية وهو موجود في عربية الشمال بل هو جذر مشترك بين كل اللغات السامية.
ولا نؤيد اشتقاق (مكربة) بمعنى (مقرب) من الجذر (قرب)، لأن هذا الجذر موجود في العربية وفي معظم اللغات السامية، كما أنه موجود في العربية الجنوبية jrb (ق رب) بمعنى قرب، اقترب، اتصل، قرب (قرباناً)، ولا يوجد مبرر لاشتقاق مكرب من قرب، والأولى اشتقاقه من Krb (ك ر ب) بمعنى وحد، جمع، ربط، زوج، ويكون معنى (مكرب) كلقب للحاكم في عصر المكاربة الموحد، الجامع أي الموحد أو الجامع بين السلطتين الدينية والدنيوية،
ويؤيد هذا وجود نفس كلمة مقرب في الحبشية [[كتابة عبرية]] (مقرب) بمعنى مقرب (مقدم القرابين) ووجود كلمة قربان في العربية الجنوبية qrbn (ق ر ب ن) وفي الحبشية (قوربان)، وفي العربية (قربان) وفي بقية اللغات السامية واعتبرها نولدكة مأخوذة من الأصل السرياني *** كتابة سريانية *** (قوربانا).
والأمر الثالث الذي يحتاج إلى تعليل لماذا اختفى الاسم (مكربة) كعلم لمكة، وبقيت التسمية (مكة)؟ وهل مكة هنا اختصار للتسمية مكرب؟ بمعنى سقوط الجزء الأخير (رب) وبقاء الجزء الأول (مك)، ويصبح معنى (مك) هنا (بيت) فقط.
والمسألة الرابعة التي يجب فهمها كيف تحولت (مك) (بيت) إلى مكة؟ ومن أين أتت هذه التاء؟ وما هي دلالاتها؟
ويؤكد على ضعف أن تكون (مكربة) اسم عربي جنوبي لمكة أن بروكلمان يقترح أصلاً آرامياً شرقياً لكلمة (ماكورابا) أو (ماكارابا) بمعنى (الوادي العظيم) أو (وادي الرب). ويقترح بروكلمان أن بطليموس أخذ الاسم عن طريق الآراميين، واقترح بروكلمان أيضاً أن معنى مكرب (هيكل).
ومن وجوه ضعف هذا الرأي على أن مكة أصلها (مكربة) أن قلب الميم في مكة إلى بكة حسب لغة الجنوب يحتم بالضرورة قلب الأصل (مكربة) إلى باء فيقال (بكربة) وهذا غير وارد في العربية الجنوبية.
وللتأكيد على ضعف أدلة كون مكربة اسماً لمكة أن الإخباريين العرب والمؤرخين لتاريخ مكة لحم يذكروا هذه التسمية التي وردت عن بطليموس في جغرافيته.
ونعتقد أن كلمة (مكرب) العربية الجنوبية قد تكون الصفة التي وصف بها أهل الجنوب (مكة) وذلك لأن كلمة مكرب makrb في اللغة الجنوبية تحمل الدلالة العامة: معبد، هيكل